الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٢٩٦
على الله عز وجل، لان النص لم يأت في ذلك بانتهاء، والقول في المبادرة إلى أدائها وفي التأخير كما قلنا في النوع الذي قبله.
والنوع الثالث: كالحج فإنه مرتبط بوقت من العام محدود، وليس ذلك على الانسان في عام بعينه، بل هو ثابت على كل مستطيع إلى وقت العرض على الله عز وجل، والقول في البدار إليه أو تأخيره، كالقول في النوعين اللذين قبله.
فإن قال قائل: فلم أجزتم صيام كفارة اليمين وقضاء رمضان غير متتابع، وكذلك صيام متعة الحج، وكذلك غسل الأعضاء في الوضوء، والغسل من الجنابة والجمعة، فأجزتم كل ذلك غير متتابع؟.
قيل له، وبالله تعالى التوفيق: إنا لم نفارق أصلنا الذي ذكرنا، ولا خالفنا النص في شئ من ذلك، لان الله تعالى إنما أوجب في الكفارة ثلاثة أيام، ومعنى ثلاثة أيام يوم ويوم ويوم، ولكل يوم حكمه. فإذا صام يوما فقد صام بعض فرضه، وأدى من ذلك فرضا قائما بنفسه، والصيام شئ آخر غير المبادرة، فإذا صام غير مبادر فقد أطاع في أداء الصوم، وعصى في ترك البدار، وهما فرضان متغايران لا يبطل أحدهما ببطلان الآخر، وإنما ذلك كمن صلى ولم يزك، فعليه معصية ترك الزكاة، وله أجر الطاعة بالصلاة، ولا تظلم نفس شيئا: * (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ئ ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) *.
وإنما كان يبطل أحدهما بترك الآخر، ولو جاء النص يربط أحدهما بالآخر، كربطه تعالى التتابع في صيام الظهار، وفي صيام كفارة القتل، فهذان إن لم يتابعا فلم يؤديا كما أمر الله تعالى، ولم يشترط التتابع في قضاء رمضان، ولا في الكفارات، ولا في متعة الحج، وأمر الله تعالى بالمسارعة إلى الطاعات، هو أمر بأن يكون فعلنا على تلك الصفة من المسارعة، فالمسارعة المأمور بها صفة لفعلنا، فمن تركها عصى وكان مؤديا لما أداه غير مسارع ما لم يشترط الوقت والتتابع، وأمره تعالى بالتتابع في صيام الظهار، وكفارة القتل، هو أمر بأن يكون ذلك الصيامان على هذه الصفة، فالمتابعة المأمور بها هنالك صفة للشهرين، فإذا لم يكونا متتابعين فليسا اللذين أمر الله تعالى بهما.
وكذلك نقول في غسل الأعضاء في الوضوء وغسل الجنابة أنه غير مأمور
(٢٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 291 292 293 294 295 296 297 298 299 300 301 ... » »»
الفهرست