الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٢٨٥
الآمر والناهي عز وجل وذكره سواء في صحة فهمنا أن المراد بأحكام الشريعة هو الله تعالى وحده لا من سواه.
وأما ما ورد من هذا بجملة لفظ ابتداء وخبر فكقوله تعالى " فكفارته اطعام عشرة مساكين " و " جزاء مثل ما قتل من النعم " و " من قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله " و " الذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا " و " والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء " مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا " " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا " ومثل هذا كثير قال علي: فلا طريق لورود الأوامر والشرائع الواجبة إلا على هذين الوجهين فقط، فأما عنصر الأمر والنهي، فإنما هو ما ورد بلفظ: افعل أو لا تفعل، فهذه صيغة لا يشركه فيها الخبر المجرد الذي معناه معنى الخبر المحض، ولا يشركه فيها التعجب، ولا يشركه فيها القسم، وإنما يشركه في هذه الصيغة الطلبية فقط، فما كان منها إلى الله عز وجل فهو الدعاء فقط، وما كان منها إلى من دونه تعالى، فهو الرغبة. وقد يسمى الدعاء إلى الله عز وجل أيضا رغبة ولا يسمى الدعاء على الاطلاق إلا ما كان طلبة إلى الله عز وجل، حتى إذا جاز أضيف أن ينسب إلى غير الله تعالى، فنقول: ادع فلانا بمعنى ناده.
قال علي: وأما المقدمات المأخوذة لانتاج النتائج في المناظرة، فإنما الأصل فيها أن تصاغ بصيغة الخبر، مثل قوله: كل مسكر خمر، وكل خمر حرام النتيجة فكل مسكر حرام. إلا أننا في مناظرتنا أهل ملتنا وأهل نحلتنا فيما تنازعنا فيه، قد غنينا عن ذلك، لاتفاقنا على أن لفظ افعل، مقدمة مقبولة تقوم بها الحجة فيما بيننا قياما تاما.
قال علي: ويميز ما جاء في الأوامر بلفظ الاخبار، مما جاء بلفظ الخبر ومعناه الخبر المجرد، بضرورة العقل، فإن قول الله عز وجل: * (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب منا إلا خطئا ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة في ظاهر ورود الامر إلا أن أحد اللفظين خبر مجرد لفظه لفظ الخبر، ومعناه معنى الخبر، والآخر لفظه لفظ الخبر، ومعناه معنى الامر، وإنما علمنا ذلك
(٢٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 280 281 282 283 284 285 286 287 288 289 290 ... » »»
الفهرست