الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣٨٣
فصل في مسائل من العموم والخصوص قال علي: ومما تناقض فيه القائلون بتخصيص النصوص بالقياس: أن قالوا بعموم قوله تعالى: * (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) * فقالوا: المدخول بها وغير المدخول بها سواء، ولم يقيسوا غير المدخول بها في الوفاة على غير المدخول بها في الطلاق، كما قاس بعضهم الاحداد على المطلقة ثلاثا، على الاحداد على المتوفى عنها زوجها، فإن كان القياس حقا فليستعملوه في كل مشتبهين، وإن كان باطلا فليجتنبوه.
قال: ومما خص بالاجماع قوله تعالى: * (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) * فخص بنص السنة العبد بأنه لا يرث وخصت السنة أيضا الكافر بأنه لا يرث المسلم، ولا المسلم الكافر. وقال تعالى: * (ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم) * وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان فخص الكتاب قائل الخطأ بوجوب الكفارة عليه، وخص الاجماع المنقول من أحدث ناسيا أنه منتقض الوضوء، وقد ادعى قوم أن حد العبد مخصوص بالقياس على حد الأمة.
قال علي: وقد أفكوا في ذلك، بل جاء النص بأن حد العبد مخالف لحد الحر في حديث دية المكاتب من طريق علي رضي الله عنه، وابن عباس رضي الله عنهما وقالوا أيضا في قوله تعالى: * (فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها) * أنه خص منها جزاء الصيد في أنه لا يؤكل منه بالاجماع، وهدي المتعة قيس عليه.
قال علي: هذا خطأ، إنما أمر تعالى بالاكل من التطوع ما لم يعطب قبل محله، وأما كل هدي واجب فقد قال تعالى: * (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) * فلما كانت هذه الواجبات كلها مأمورا بإخراجها من أموالنا، وكان ذلك مسقطا لملكنا عنها كانت قد انتقلت إما إلى ملك المساكين ، وإما إلى ملك الله عز وجل، لا بد من أحد الوجهين المذكورين، وما خرج عن ملكنا فلا يحل لنا أن ننصرف فيه إلا بنص مبيح أو إجماع والعجب من حملهم أمر الله تعالى بالاكل منها والاطعام، على أن ذلك غير واجب، ثم أرادوا أن
(٣٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 378 379 380 381 382 383 384 385 386 387 388 ... » »»
الفهرست