الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣٨٢
قال علي: يقال له صدقت. ومن نازعك في هذا حتى تلحقه، ونحن نقر لك بأن هذا النص مخصوص إذا قام الدليل على خصوص بعضه، ولكن الباقي بعد ما خص مأخوذ على موجبه وعلى كل ما اقتضاه لفظه بعد ما خرج منه، ونحن على ما لزمنا من وجوب الطاعة له.
قال علي: ويلزم من قال بهذا أن يقول: متى وجدت عددا قد استثني منه شئ وجب أن أسقطه كله، ومتى وجدت إنسانا قد وجب أخذ بعض ماله، لم أمتنع من أخذ باقته إلا أن يمنعني منه إجماع، ومن قال هذا لزمه في قول الله تعالى: * (فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما) * أن يقول لعله قد خصت منها خمسون أخر بالاستثناء فيكون مقامه فيهم تسعمائة عام فقط أو أقل، وهذا فساد في العقل وكفر في الاسلام.
فإن قال قائل: قد رخص للزبير وعبد الرحمن في الحرير لحكة كانت بهما فقلتم أنتم: هو عام لكل من كان في مثل حالهما. قيل له: هذا هو نص قوله تعالى * (وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه) * فكل مضطر إلى محرم فهو له حلال، وهذا الحديث - الذي فيه إباحة الحرير لعبد الرحمن والزبير هو بعض الآية المذكورة، وهو بمنزلة مفت سمع أن اليمين على من ادعي عليه، فأوجب اليمين بذلك على زيد، وعلى عمرو، وعلى خالد، لأنهم مدعى عليهم، فأصاب في ذلك وكل هؤلاء قد اقتضاهم الحديث المذكور.
فإن قال قائل: فهلا عممتم الآية التي ذكرتم في قوله تعالى * (إلا ما اضطر رتم إليه) * فأبحتم به أكل الميتة للباغي إذا اضطر إليها، وأنتم لا تفعلون ذلك؟ قيل له وبالله تعالى التوفيق: إنما منعناه لوجهين: أحدهما: أن الباغي مستثنى من جملة المضطرين، وقد قلنا: إنه يجب استثناء الأقل معاني من الأكثر معان.
والوجه الثاني: أن الباغي مضطر، لأنه لو ترك البغي لارتفعت ضرورته من أجله، فهو مختار لحاله غير مضطر إلى الميتة، لأنه لو أراد ترك البغي لكان قادرا على ذلك، ولحلت له الميتة حينئذ لضرورة - إن كانت به - إنما المضطر الذي لا يقدر على دفع ضرورته، ومن سلك طريقا وهو باغ وتحصن في حصن وهو باغ فهو المختار لعدم التصرف فليس مضطرا، فليس له دخول في جملة من أبيحت للميتة. وبالله تعالى التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل.
(٣٨٢)
مفاتيح البحث: الأكل (2)، الوجوب (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 377 378 379 380 381 382 383 384 385 386 387 ... » »»
الفهرست