الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣٨٦
مسلم الاخذ به، وأما الذي عملنا فيه بأن سميناه استصحاب الحال، فكل أمر ثبت إما بنص أو إجماع فيه تحريم أو تحليل أو إيجاب، ثم جاء نص مجمل ينقله عن حاله فإنما ننتقل منه إلى ما نقلنا النص، فإذا اختلفوا ولم يأت نص ببرهان على أحد الوجوه التي اختلفوا عليه، وكانت كلها دعاوى، فإذا ثبت على ما قد صح الاجماع أو النص عليه، ونستصحب تلك الحال، ولا ننتقل عنها إلى دعاوى لا دليل عليها ، وهذا القسم موجود كثيرا، فهذا الجواب مستوعب لبيان جميع الوجوه التي سألت عنها، ومبين للحد الذي سألت عنه، وللفرق الذي سألت عنه ولوجوب المصير إلى ما سألت عن دليل وجوب المصير إليه، وبيان كون كلا الوجهين إجماعا ، وبالله تعالى التوفيق.
قال علي: ومن خالف الطريق التي ذكرنا فلا بد له ضرورة من أحد وجهين لا ثالث لهما: إما أن يقول برأيه بلا دليل في دين الله عز وجل، وإما أن يقلد ، وكل ذلك باطل، فلا بد له من الباطل.
قال علي: ونحن نمثل من ذلك أمثله لتكون أبين للطالب، فنقول، وبالله تعالى التوفيق، إن ذلك مثل قوله تعالى: * (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) * ومثل ذلك قوله تعالى: * (فدية مسلمة إلى أهله) * وقوله تعالى: * (ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) * وقوله تعالى: * (فإطعام ستين مسكينا) * وقوله تعالى: * (خذ من أموالهم صدقة) * وقوله تعالى: * (فمتعوهن) * وقوله تعالى: * (فكاتبوهم ان علمتم فيهم خيرا) * وقوله تعالى: * (أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما) * وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من صاحب إبل لا يؤدي حقها، وما من صاحب بقر لا يؤدي حقها، وما من صاحب فضة أو ذهب لا يؤدي حقها إلا فعل به يوم القيامة كذا وكذا، وجاء النص بإيجاب النفقة على الزوجات وذوي الرحم وملك اليمين.
فأما قوله تعالى: * (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) * فإنه حكم في مشركين قد أمرنا بقتلهم وأخذ أموالهم وسبي نسائهم وأطفالهم، وأوجب كل ذلك علينا وصح بالنص إيجاب دينار على الواحد منهم، فصح أن من بذل منهم أقل من دينار لم يجز حقن دمائهم بذلك، فكان الدينار أقل ما قال قائلون إنه جزية يلزم
(٣٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 380 381 382 383 384 385 386 387 388 389 390 » »»
الفهرست