الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣٨١
ولو شبه الشاهد المجرح عدالته بالمنسوخ من الملك والشرائع فأوجب بذلك سقوط جميعها عنا، لكان أدخل في التمويه، وألطف في التشبيه، ولكنهم مع قولهم بالقياس وتركهم له كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم فإنك تجدهم أجهل الخلق بترتيب باطلهم، وأشدهم اضطرابا فيه وهكذا يكون ما كان من عند غير الله. ولله الحمد على ما وفق بمنه.
قال علي: ونسي عيسى نفسه إذ قال بما ذكرنا، من أن النص إذا خص بعضه لم يؤخذ من باقيه إلا ما اتفق على الاخذ به منه، فهلا تذكر على هذا الأصل إذ قال - في نهيه صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء - إن المرتدة لا تقتل، وهذا نص قد خص منه الزانية المحصنة والقاتلة، فهلا أسقط أيضا منه المرتدة، ولم يأخذ منه إلا ما اتفق عليه من المنع من قتل الحربيات المأسورات، ولكن القوم إنما هم ناصرون لما حضرهم من مسائلهم لا يبالون بما أصلوا في ذلك، ولا بما احتجوا، ولا يستحيون من نقضه بعد ساعة، وإبطاله بأصل مضاد للأصل الأول على حسب ما يرد عليهم من المسائل كل ذلك طاعة لمالك وأبو حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن، وقلة مبالاة لمخالفة القرآن وترك كلام النبي صلى الله عليه وسلم. وبالله تعالى نستعين من الخذلان، ونسأل المزيد من التوفيق . قال علي: ولا فرق بين تخصيص بعض آية أو حديث - لم يرد في ذلك البعض تخصيص، لكن لأنه قد خص بعض آخر منهما - وبين من أراد من ذلك أن يخص كل آية وكل حديث، لأنه قد وجد آيات مخصوصات وأحاديث مخصوصة، وكل هذا تحكم بلا دليل، أو بدليل فاسد. وفي هذا إبطال الشريعة، ومن استجاز ما ذكرنا وصوبه، لزمه أن يقول بنسخ كل آية، لأنه قد وردت آيات منسوخات. وهذا يخرج إلى إبطال الاسلام، ويقال لهم: ما الفرق بينكم وبين من خص سورة بكمالها أو قال بنسخ كل ما فيها، لأنه وجد بعضها منسوخا ومخصوصا. وهذا ما لا يقولونه وهو موجب قولهم الفاسد.
قال علي: واحتج بعض من ذهب هذا المذهب فقال: من حلف أن هذه الآية أو الحديث مخصوصا فيما قد قام الدليل على تخصيص بعضهما لم يحنث.
(٣٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 376 377 378 379 380 381 382 383 384 385 386 ... » »»
الفهرست