الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣٧٠
قبل أن ينسخ، وأما المحمول على الندب فلم يرد قط منا إلزامنا العمل به، وهذا فرق ظاهر.
قال علي: وكل ما ذكرنا فلا يحل أن يتعدى به موضوعه، لأنه كما ترى أنواع يجمعها جنس النقل للأسماء على مراتبها، فمن استجاز منها واحدا بغير برهان لزمه أن يجيز جميعها، وفي ذلك القضاء بالنسخ على كل شريعة، وبأنه لا يفهم عن الله تعالى ولا عن رسوله صلى الله عليه وسلم لفظ أصلا إذ لعله قد نقل إلى معنى آخر، وهذا خروج عن الاسلام.
قال علي: وإذا قد ذكرنا وجود النقل للأسماء عن معانيها، ومثلنا منها أمثلة، تدل عليها، وتنبه على أمثالها مما لم نذكره بحول الله تعالى وقوته: فنذكر إن شاء الله تعالى بتوفيقه لنا، وعونه إيانا - الدلائل التي بها تعلم صحة الوجوه التي ذكرنا، وبها يثبت عندنا أن الاسم قد نقل إلى بعض الوجوه التي ذكرنا، والتي متى لم توجد لم يحل لمسلم أن يقول: إن هذا اللفظ على غير موجبه وبالله تعالى التوفيق، فلنقل وبالله نعتصم:
إن البرهان الدال على النقل الذي ذكرنا ينقسم قسمين لا ثالث لهما: إما طبيعة وإما شريعة. فالطبيعة هو ما دل العقل بموجبه على أن اللفظ منقول من موضوعه إلى أحد وجوه النقل الذي قدمنا مثل قوله تعالى: * (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم) * - فصح بضرورة العقل، أن المراد بذلك بعض الناس لان العقل يوجب ضرورة أن الناس كلهم لم يحشروا في صعيد واحد، ليخبروا هؤلاء بما أخبرهم به، ولأن العقل يوجب ضرورة أن المخبرين لهم بأن الناس قد جمعوا لهم، غير الجامعين لهم، وغير المجموع لهم بلا شك، وأن الجامعين غير المخبرين بالجمع، وغير المجموع لهم بلا شك ومثل قوله تعالى:
* (كونوا حجارة أو حديدا علمنا بضرورة العقل أنه أمر تعجيز، لأنه لا يقدر أحد على أن يصير حجارة أو حديدا، ولو كان أمر تكوين لكانوا كذلك، فلما وجدهم العقل لم يكونوا حجارة ولا حديدا علم أنه تعجيز وأما الشريعة فهي أن يأتي نص قرآن أو سنة، أو نص فعل منه عليه السلام، أو إقرار منه عليه السلام، أو إجماع على أحد وجوه النقل الذي ذكرنا كما دل الاجماع على أن اسم أب في
(٣٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 365 366 367 368 369 370 371 372 373 374 375 ... » »»
الفهرست