الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣٥٩
قال علي: ويلزمهم إذا أجازوا تخصيص ألفاظ القرآن والسنن بلا دليل أو الوقف فيها، أن يجيزوا مثل ذلك في الاعداد ولا فرق، فيقفوا فيما أوجب الله تعالى من صيام شهرين متتابعين في كفارة الظهار، وكفارة القتل، وكفارة الواطئ في شهر رمضان، فلعله تعالى قد استثنى من الشهرين عشرة أيام في حديث لم يبلغهم، أو بقياس لم ينتبهوا له بعد كما استثنى تعالى من مدة نوح عليه السلام في قومه خمسين عاما بعد ذكره عز وجل ألف سنة، ومثل هذا لازم لهم في جميع ما خوطبوا به، وهذا قول كما قدمنا ليس فيه إلا إبطال الديانة مع فاحش تناقضهم، وأنه دعوى بأيديهم بلا دليل.
فإن قالوا: هذا لا يجوز في الاعداد، لأنه لو لم يكن الاستثناء متصلا بها لكانت كذبا قيل لهم: وكذلك الاخبار إن لم يكن على عمومها، ولم يأت نص آخر أو إجماع بتخصيصها كانت كذبا ولا فرق، وكذلك الأوامر إن كان المراد بها الخصوص، ولم يأت نص آخر، ولا إجماع بتخصيصها كانت تعنيتا، تعالى الله عن ذلك كله.
قال لهم بعض من سلف القائلين بالعموم: فإذا لم يفهم من كل خطاب بمجرده ما اقتضاه لفظه فلعل قولك: نقول بالوقف: وقول من قال منكم نقول بالخصوص، إنما أردتم به في بعض المواضع دون بعض، ولعلكم أردتم غير ما ظهر إلينا من كلامكم، فإنكم تناظرونا دأبا في ألا نحمل الألفاظ على ظواهرها، ولا على عمومها، فأول ما ينبغي أن يستعمل هذا فيه، ففي كلامكم، فتجعلون في نصاب من لا يفهم عنهم مرادهم ولا يصح خطابهم، وصحت السفسطة بعينها عليهم.
قال علي: وكذلك يقال أيضا للقائلين بالوقف أو الندب: أموجبون أنتم لحمل الأشياء الواردة من الله تعالى ونبيه صلى الله عليه وسلم على أنها غير واجبة، وعلى الوقف فيها، أم أنتم نادبون إلى ذلك؟ فإن قالوا: نحن موجبون لذلك قيل لهم: فما الذي جعل كلامكم محمولا على الوجوب؟ وكلام ربكم تعالى محمولا على غير الوجوب؟ وهذا كفر شديد ممن اعتقده، وضلال عظيم ممن تقلده، وإن قالوا: بل نحن نادبون إلى ذلك أقروا أنهم لا يلزمنا قبول قولهم، وبالله تعالى التوفيق. وأيضا قال علي: قولهم بحمل الألفاظ على الخصوص إنما معناه بحملها على بعض ما يقتضيه لفظها.
قال علي: وهذا أمر ليس في طاقة أحد فهمه، والوقوف على حقيقته أبدا، لأنه لا ندري أي أبعاض تلك الجملة يقبل، ولا أيها يرد، وليس بعضها أولى بحمل الحكم عليه من بعض، فصار ذلك تكليفا لما ليس في الوسع، وهذه هي السفسطة نفسها وإبطال الحقائق جملة، وقد أكذبهم تعالى بقوله: * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ويقال لهم أيضا: أرأيتم قول الله تعالى: * (وعلم آدم الأسماء كلها) * لهذا التعليم الذي
(٣٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 354 355 356 357 358 359 360 361 362 363 364 ... » »»
الفهرست