الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣٥٤
وبين من قال: بل اللفظ محمول على الذي أخرجتم عنه أنتم، وغير محمول على الذين حملتموه أنتم عليه، فإن قالوا: الدليل كذا صاروا إلى أن التخصيص إنما كان بدليل غير حمل اللفظ على بعض ما يقتضيه دون بعض بغير دليل، وهذا الامر لا ننكره، بل نقول متى قام الدليل على التخصيص صرنا إليه، وبطل بهذا حمل الاسم على بعض ما يقتضيه دون بعض بغير دليل، فذلك ما أردنا أن نبين، وهذا ترك منهم لمذهبهم الفاسد، وإن لم يكن بأيديهم إلا الاقتصار على التخصيص لمن خصوا بلا دليل، حصلوا على التحكم والدعوى، وكل دعوى بلا دليل فهي ساقطة، وبالله تعالى التوفيق.
احتجوا على القائلين بالوقف فقالوا: هذا القول إلى متى يكون؟ فإن حدوا حدا كانوا متحكمين بلا دليل، وإن قالوا حتى ننظر في دلائل القرآن والسنة، سألناهم فقلنا لهم: فإن لم تجدوا دليلا على عموم ولا خصوص، ولم تجدوا غير اللفظ الوارد ماذا تصنعون؟ فإن قالوا: نقف أبدا أقروا بالعصيان ومخالفة الأوامر، وأدى قولهم إلى أن الله يبين مراده، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبين ولم يبلغ وهذا كفر.
وإن قالوا: إن لم نجد دليل على الخصوص صرنا إلى العموم، فقد رجعوا إلى ما نكروا، وأقروا بأنهم إنما حملوا الكلام على العموم بصيغته ولفظه، وبعدم الدليل على الخصوص، وهذا هو نفس قولنا الذي أبوه أولا عادوا إليه من قريب، فإن قال قائل: إن هذا لا يوجد لزمهم السؤال الذي سألنا به أولا من قولنا لهم: هل يخلو الدليل من أن يكون لفظا آخر، أو معنى مستخرجا من لفظ؟
وألزمهم إيقاظ التفاهم أبدا، وأيضا فإن ذلك موجود وقد قال تعالى: * (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) * ولم تؤكد بشئ أصلا وهذا عندهم محمول على عمومه، وقد قال تعالى: * (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء. ولم يأت بتوكيد زائد فحملوه على عمومه دون دليل غيره وارد اللفظ فقط، ومثل هذا كثير جدا، بل هو الأكثر في القرآن والسنة، وإنما ادعوا الخصوص في مسائل يسيرة، وليس هذا مكان احتجاجهم بقرينة الوعيد، لأننا إنما نكلمهم في عموم كل ما اقتضاه اللفظ لا في الوجوب.
(٣٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 349 350 351 352 353 354 355 356 357 358 359 ... » »»
الفهرست