الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣٤٩
مضموما بعضه إلى بعض، ومستثنى بعضه من بعض، ومعطوفا بعضه على بعض، فبطل ما راموا أن يموهوا به، وصح أنه سؤال فاسد، وأن الذين خوطبوا بالآيات المذكورات خوطبوا ببيانها معا، وأما نحن فكل إنسان منا فلا يخلو من أحد وجهين: إما أن يكون لم يتفقه في الدين، أو يكون قد تفقه في الدين ولا سبيل إلى وجه ثالث، فالذي لم يتفقه في الدين وليس من الذين خاطبهم الله بقوله تعالى:
* (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) * ولا من الذين خوطبوا بالفتيا والحكم في تحريم المرضعات، ولا من المأمورين بجلد الزناة، وإنما أمر بذلك كله الفقهاء والحكام العالمون باللغة والفقه، بلا خلاف من أحد من المسلمين في ذلك. وقد بين تعالى ذلك بقوله: * (وما كان المؤمنون لينفروا كآفة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذ رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) * فصح بالنص أنه ليس كل أحد مأمورا بالتفقه في غيما يخصه في نفسه.
فصح بما ذكرنا أن المأمورين بتنفيذ الاحكام والفتيا في الدين الفقهاء الذين قد سمعوا النصوص كلها، وعرفوها وعرفوا الاجماع والاختلاف، وأن كل من كان بخلاف هذه الصفة، فلم يأمر قط بقطع من سرق جبالا من ذهب، ولا بأن يفتي في تحريم من أرضعت ألف رضعة ولا بجلد زان حرا أو عبدا وكل متفقه فقبل أن يكمل تعلم النصوص والإجماع فهو، غير مأمور ولا مخاطب بالحكم في شئ ولا بالفتيا في شئ، لكنه مأمور بالطلب والتعليم، فإذا فقه فحينئذ لزمه تنفيذ ما سمع على عمومه وظاهره، ما لم يأت نص بنسخ أو تخصيص أو تأويل، فبطل سؤالهم بطلانا ظاهرا، والحمد لله تعالى.
ولكنا نقول: لو أن امرأ سمع هذه الآيات، ولم يسمع ما خصصها لكان حكى العمل بما يبلغه التخصيص، فيلزمه حينئذ كما قلنا في المنسوخ، سواء بسواء وليس بعد النبي صلى الله عليه وسلم من أحاط بجميع العلم، وإنما يلزم كل واحد ما بلغه، وقد رجم عثمان التي ولدت لستة أشهر، وقد أمر عمر برجم مجنونة حتى نهاه علي عن ذلك وأخبره بأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن القلم مرفوع عن المجنون.
قال علي: وهم تناقضوا في هذه الآيات بلا دليل، فحملوا بعضها على العموم، وبعضها على الخصوص، فتركوا قولهم بالوقف، وحملوا على العموم ما قد صح
(٣٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 344 345 346 347 348 349 350 351 352 353 354 ... » »»
الفهرست