الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣٥٣
: * (لأنذر كم ومن بلغ) *، ونقطع بأن هذا كله هو الحق عند الله عز وجل لنصه تعالى، على أن عليه بيانه فما لم يبين على غير وجهه، فقد تيقنا على أنه مراد منا على اقتضاء لفظه، ولا بد.
قال علي: فهذه اعتراضاتهم كلها قد استوعبناها ونقضناها، وبينا فسادها كلها وانعكاسها عليهم من فسادها بحمد الله تعالى، ونحن الآن شارعون - بتوفيق الله تعالى لنا وعونه إيانا - في إيراد البراهين على بطلان قولهم ووجوب حمل الألفاظ على عمومها، وبالله تعالى التوفيق.
قال علي: واحتج من سلف من القائلين بالعموم، المخالفين في ذلك فقال:
لو كان الخطاب على الوقف أو الخصوص حتى يقوم الدليل على العموم، لكان ذلك الدليل لا ينفك ضرورة من أحد وجهين لا ثالث لهما، وإما أن يكون لفظا بخطاب أو معنى مستخرجا من خطاب، فإن كان خطابا فالخطاب الثاني كالأول، ولا فرق إن كان يدل بنفسه على العموم، فالأول مثله، وإن كان الأول لا يدل بنفسه على أنه على العموم، فالثاني لا يدل أيضا، وإن كان معنى مستخرجا من خطاب، فلا يجوز أن يكون المعنى المستخرج من الخطاب أقوى من الخطاب الذي منه استخرج وهذا يقتضي وجوب خطابات لا نهاية لها، وهذا ممتنع لا سبيل إليه، ويؤدي أيضا إلى إبطال فهم كل خطاب أصلا.
وقالوا أيضا: إننا وجدنا في اللغة أسماء للواحد لا تتعداه كزيد وكرجل من شأنه وصفته فلا يعقل منه أكثر من واحد، ووجدنا فيها أسماء التثنية لا تقع على واحد ولا على أكثر من اثنين، ووجدنا أيضا لفظا للجمع الزائد على الاثنين، فكان ذلك واقفا على كل ما يقتضيه الجمع إلا أن يأتي بيان باستثناء أو بصفة أو بعدد يختص بذلك بعض الجمع دون بعض فتصير إليه.
وقالوا: يقال لمن قال بالخصوص: ما معنى قولكم هذا خصوص؟ فلا جواب لهم إلا أن يقولوا هو حمل للاسم على بعض ما يقتضيه دون بعض مثل قوله تعالى: * (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) * فيقولون: هذا على بعض المشركين دون بعض، فيقال لهم فبأي شئ استحق عندكم هذا البعض - الذي حملتم اللفظ عليه - أن يكون محمولا عليه ذلك اللفظ دون سائر من أخرجتم عنه؟ وما الفرق بينكم
(٣٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 348 349 350 351 352 353 354 355 356 357 358 ... » »»
الفهرست