الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣٥٨
تاب عن اتباع إبليس، وفيمن تساوت حسناته وسيئاته التي اتبع فيها إبليس فجاء التخصيص كما ترى بعد التأكيد، فبطل احتجاجهم بالتأكيد، ولزمهم ألا يحملوا خطابا على عمومه أبدا، أكد أو لم يؤكد، ولزمهم الوقف أبدا وألا ينتفعوا بتأكيد ولا غيره.
فإن قالوا: إنه يلزمهم إذا ورد الاستثناء، أن تقرروا بأن ذلك الخطاب أريد به الخصوص، قلنا لهم: وكذلك نقول: ولسنا معترضين على ربنا تعالى، ولا على نبينا صلى الله عليه وسلم، ولا نعلم إلا ما علمنا تعالى، ولا ننكر صرفهما الألفاظ عن وجوهها ولا شرعهما الشرائع علينا، ولا تحريم ما حرما، ولا تحليل ما حللا، ولو أمرانا بقتل آبائنا وأمهاتنا وأبنائنا لسارعنا إلى ذلك مبادرين، أو أمسكنا مقرين بالمعصية غير داعين إلى ضلالة، ولا مصوبين لذنوبنا، بل مستغفرين الله تعالى من ذلك، راغبين في التوبة.
قال علي: وما أخوفني أن يكون ملقي هاتين النكتتين من القول بالوقف، في اتباع الظاهر وفي الوجوب، وفي العموم وفي الفور ومن القول بصرف الألفاظ الواردة عن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم إلى تأويل بلا دليل، وإلى سقوط الوجوب بلا دليل، وإلى الخصوص بلا دليل، وإلى التراخي بلا دليل كافرا مشركا زنديقا مدلسا على المسلمين، ساعيا في إبطال الديانة، فإن هذه الملة الزهراء الحنيفية السمحة كيدت من وجوه خمسة، وبغيت الغوائل من طرق شتى، ونصبت لها الحبائل من سبل خفية، وسعي عليها بالحيل الغامضة، وأشد هذه الوجوه سعي من تزيا بزيهم، وتسمى باسمهم، ودس لهم سم الأساود في الشهد والماء البارد، فلطف لهم في مخالفة القرآن والسنة، فبلغ ما أراد ممن شاء الله تعالى خذلانه، وبه تعالى نستعيذ من البلاء، ونسأله العصمة بمنه، لا إله إلا هو.
فلتسؤ ظنونكم أيها الناس بمن يحسن لكم مفارقة ظاهر كلام ربكم تعالى، أو كلام نبيكم صلى الله عليه وسلم بغير بيان منها، أو إجماع من جميع الأمة، وبمن يزين لكم التأخر عن طاعتها، ويسهل عليكم ترك الانقياد لهما، ويقرب لديكم التحكم في خطابهما، والفرق بينهما بطاعة بعض ومعصية بعض، وهذا هو التخصيص الذي يدعونه بلا دليل، وبالله نعتصم.
(٣٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 353 354 355 356 357 358 359 360 361 362 363 ... » »»
الفهرست