الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣٥٧
لكانوا بذلك خارجين عن الاجماع، لان الأمة مجمعة على أن الاقتصار على القول بالاجماع فقط دون الائتمار للنصوص - وإن وقع فيها اختلاف - حرام لا يفعله مسلم، ولا يسع مسلم فعله، والنص من القرآن والسنن، جاء بوجوب طاعة النبي صلى الله عليه وسلم وتحكيمه عند التنازع والاختلاف، وأيضا فهم لا يفعلون ذلك، فسقط تعلقهم بكل وجه، بحمد الله تعالى.
فإن قالوا: علمنا أنه عليه السلام آخر النبيين بقوله صلى الله عليه وسلم: لا نبي بعدي قيل لهم، وبالله تعالى التوفيق: وهذا يحتمل من الخصوص ما تحمله سائر النصوص، ولا فرق، ولعله أنه أراد لا نبي بعدي من العرب أو في الحجاز أو إلى مائة عام أو ما أشبه ذلك، كما زعمت العيسوية من اليهود والجر مدانية - القائلون بتواتر الرسل - والغالية التي قالت بنبوة علي ونزيع والمغيرة ومنصور الكسف بالكوفة، وبيان وأبي الخطاب، وأيضا فإن الاجماع إذ قد صح على ذلك فهو أعظم الحجج عليهم لاجماع الأمة على حمل هذا الخطاب على عمومه، وكذلك يسألون عن قوله صلى الله عليه وسلم: بعثت إلى الأحمر والأسود وهذا يحتمل من الخصوص ما احتمله: * (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) * وما احتمله قوله عز وجل: * (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) *، فلأي معنى خصصتم أحد الخطابين بلا دليل، وحملتم الآخر على عمومه بلا دليل إلا نفس اللفظ فقط؟
واحتج عليهم بعض من سلف من القائلين بالعموم بأن قال إنكم متفقون على أن اللفظ إذا ورد فيه تأكيد فإنه محمول على عمومه، قال: فيقال لهم: إن التأكيد يحتمل من الخصوص مثل ما يحتمل الخطاب المؤكد ولا فرق، وقد جاء النص بذلك، فقال تعالى: * (فسجد الملائكة كلهم أجمعون الا إبليس) * فجاء الاستثناء بعد تأكيدين اثنين.
قال علي: قال تعالى: * (ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين) * ثم جاء الاستثناء بقوله: * (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ئ لا يسمعون حسيسها وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون وقال تعالى مخاطبا لإبليس * (لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم) * ثم جاء الاستثناء فيمن
(٣٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 352 353 354 355 356 357 358 359 360 361 362 ... » »»
الفهرست