الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣٥٢
فإنه يقال لهم: أبنص صح عندكم هذا القول أم بإجماع؟ فإن قالوا: بنص، أو ذكروا دليلا ما، كذبوا، وادعوا ما لا يجدون أبدا، وكانوا مع كذبهم قد تركوا قولهم بألا يقولوا إلا بما أجمع عليه، لأنهم يقولون بالنص، وإن خالف الاجماع، وإن قالوا: قلنا ذلك بإجماع كذبوا وجاهروا. وبالجملة فهذا مذهب لم يخلق له معتقد قط، وهو ألا يقول القائل بالنص حتى يوافقه الاجماع، بل قد أصبح الاجماع على أن قائل هذا القول معتقدا له كافل بلا خوف لرفضه القول بالنصوص التي لا خلاف بين أحد في وجوب طاعتها.
قال علي: وقالوا أيضا: إن على المراد بالكلام دلائل تدل على الرضا والسخط، من تغيير اللون، وحدة الامر والنجه والبشر. قيل لهم وبالله تعالى التوفيق:
ليس هذا مما نحن فيه، ولا كون هذه الأحوال مما يمنع من إخراج الامر على العموم، ثم نعكس عليهم هذا في قولهم بالخصوص والوقف فيلزمهم الوقف إلى أن يجتمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، وفي هذا إبطال الدين والخروج عن الاسلام، وتشبه هذه التساؤلات أن تكون سؤالات ملحد جاهل قليل الحياء.
وقالوا أيضا: إنكم اعتقدتم العموم فيما أراد الله تعالى به الخصوص، فقد خالفتموه عز وجل، قيل لهم وأنتم إن أردتم الخصوص فيما أراد الله تبارك وتعالى العموم، فقد خالفتموه عز وجل، وإن اعتقدتم الوقف فيها حكم الله تعالى فيه بما حكم، من عموم أو خصوص - فلا بد من أحدهما - فقد خالفتم الله عز وجل بيقين لا شك فيه، ولا شك في أن الله تعالى لم يرد قط في شئ من أحكامه وقفا، بل أنفذ تعالى الحكم بما أنفذ.
وأيضا فنحن قاطعون على أن كل أمر لم يأت نص ولا إجماع بأنه ليس على عمومه، فهو على عمومه بلا شك ولا مرية، نقطع على ذلك عند الله عز وجل، ونقطع أيضا بأن كل من بلغه العموم ولم يبلغه الخصوص، أو بلغه المنسوخ ولم يبلغه الناسخ، فإن الله تعالى لم يلزمه قط إلا ما بلغه لا ما لم يبلغه، قال تعالى
(٣٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 347 348 349 350 351 352 353 354 355 356 357 ... » »»
الفهرست