الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣٦٣
أنهم خلقوا من نور، وأما الجن فمن النار بنص القرآن، إلا أننا نبعد أن يكون في تركيبهم شئ من الماء، وإن كان العنصر هو النار، كما في تركيبنا الماء والنار والهواء، وإن كان عنصرنا التراب، ومنها ما يكون اسما لنوع ما كقوله تعالى: * (والخيل والبغال والحمير) * فهذا عموم لجميع الخيل، ولجميع البغال والحمير، دون سائر الأنواع، وليس هذا خصوصا لان معنى قولنا: عموم وإنما هو ما اقتضاه اللفظ فقط دون ما تقتضيه، فمن سمى هذا خصوصا فقد شغب وشبك.
وإنما يسمى ما بقي من الجملة بعد أن يستثنى منها خصوصا، وما استثني منها مما بقي خصوصا، لان العموم الذي ذكرنا قد ارتفع ضرورة، لان اللفظ حينئذ ليس محمولا على كل ما يقتضيه لفظه، فلما بطل أن يسمى ذلك عموما سمي خصوصا لأنه خص منه بعضه دون بعض بالاستثناء وبالابقاء، ومنه ما يقع لأهل صفة ما من النوع، كقوله تعالى: * (ولذي القربى) *، فلما كان هذا عموما لذوي القربى كلهم دون غيرهم وكان شاملا لكل ما وقعت عليه هذه التسمية بهذه الصفة وكقوله تعالى: * (إنما الصدقات للفقراء والمساكين) * الآية، فكان ذلك عموما لكل صدقة فرض بدليل أخرج منها ما ليس فرضا، وكان ذلك عموما لكل مسكين، ولكل فقير، ولكل عامل عليها، ولكل مؤلف قلبه، ولكل ما سمي رقبة، إلا أن يخص شيئا من ذلك نص أو إجماع، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: الأئمة من قريش فهذا عموم لكل قرشي إلا من خصه نص أو إجماع من النساء والصبيان، وكذلك سائر النصوص.
والقسم الثالث: عموم دل نص القرآن والسنة على أنه قد استثني منه شئ، فخرج ذلك المستثنى مخصوصا من الحكم الوارد بذلك اللفظ.
قال علي: ومن العموم أن يكون لفظه مشتركا يقع على معان شتى، وقوعا مستويا في اللغة، ومعنى قولنا: مستو، أنه وقوع حقيقي، وتسمية صحيحة لا مجازية، فإذا كان ذلك فحملها واجب على كل معنى وقعت عليه، ولا يجوز أن يخص بها بعض ما يقع تحتها دون بعض بالبراهين التي أثبتنا آنفا في إيجاب القول بالعموم.
قال علي: ومن خالف هذا من أصحاب الظاهرين، فقد تناقض، ولا فرق وبين وقوع اسم على ثلاثة من نوع فصاعدا إلى تمام جميع النوع كقولك: مساكين وفقراء، وبين وقوع اسم على ثلاثة أشياء فصاعدا مختلفة الحدود، يقع عليها كلها وقوعا مستويا، ليس بعضها أحق به من بعض، ولهذا قلنا في قوله تعالى: * (الزانية لا ينكحها إلا زان
(٣٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 358 359 360 361 362 363 364 365 366 367 368 ... » »»
الفهرست