الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣٧٤
أن نفهم استقبال الكعبة والآتيان بأربع ركعات للظهر في كل ركعة سجدتان، وثلاث للمغرب من قوله تعالى: * (وأقيموا الصلاة) * ولا في وسعنا أن نفهم إعطاء شاة من خمس من الإبل، وما يجب من الزكاة من البقر والغنم من قوله تعالى:
* (آتوا الزكاة) * ولأجل هذا النص منعنا من أن يكون تعالى يكلفنا ما لا نطيق، وأما لو شاء ذلك تعالى لكان حسنا في العقل، ولو أنه تعالى كلفنا شرب ماء البحر في جرعة، ثم يعذبنا إن لم نفعل لكان ذلك عدلا وحقا، ولكنه تعالى قد تفضل علينا وآمننا من ذلك ولم يكلفنا ما لا نطيق، فله الحمد والشكر لا إله إلا هو.
وكذلك قوله تعالى: * (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) * ليس فيها بيان كيفية تلك الصدقة، ولا متى تؤخذ أفي كل يوم أم في كل شهر أم في كل عام؟
أم مرة في الدهر؟ ولا مقدار ما يؤخذ ولا من أي مال، ففي قوله تعالى: * (من أموالهم) * عمومان اثنان أحدهما: الأموال، والثاني: الضمير الراجع إلى أرباب الأموال، فأما عموم الأموال: فقد صح الاجماع المنقول جيلا جيلا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يوجب الزكاة إلا في بعض الأموال دون بعض، مع أن نص الآية يوجب ذلك، لأنه إنما قال تعالى: * (خذ من أموالهم) * فالظاهر يقتضي أن ما أخذ مما قل أو كثر فقد أخذ من أموالهم كما أمر، وقوله عليه السلام إذ سئل عن الحمير: أفيها زكاة أم لا على أن هذا اللفظ ليس مرادا به جميع الأموال وقد قال عليه السلام: إن أموالكم عليكم حرام وقال عليه السلام: كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه، ونص عليه السلام على أنه لا يحل له أخذ مال أحد إلا بطيب نفسه وليست الزكاة كذلك، بل هم مقاتلون إن منعوها.
وأيضا فإن لفظة: * (من) * في قوله تعالى: * (من أموالهم) * إنما هي للتبعيض وأيضا فلو كانت الأموال مرادة على عمومها لكان ذلك ممتنعا، لان ذلك كان يوجب الاخذ من كل برة، ومن كل خردلة، ومن كل سمة، لان كل ذلك أموال، فلما صح بكل ما ذكرنا أنه تعالى لم يرد كل مال وجب طلب معرفة الأموال التي تجب فيها الزكاة، ومقدار ما يؤخذ منها، ومتى يؤخذ من نص آخر، أو من الاجماع إذ قد ثبت أن المأخوذ هو شئ من بعض ما يملكونه، فلا بد من بيان ذلك الشئ المراد، فإنه إذا أخذ شئ يقع عليه اسم شئ واحد من جميع أموالهم، فقد أخذ
(٣٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 369 370 371 372 373 374 375 376 377 378 379 ... » »»
الفهرست