الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣٧٥
من أموالهم، وكان هذا أيضا موافقا للظاهر وغير مخالف له البتة، وليس إلا هذا الوجه، إلا أن يوجب أكثر منه نص أو إجماع، لأنه قد تعذر الوجه الثاني، وهو أن يؤخذ من كل مال جزء، وإذا لم يكن لشئ إلا قسمان فسقط أحدهما ثبت الآخر، فلو لم تأت نصوص وإجماع على الاخذ من المواشي والذهب والفضة والبر والشعير والتمر، لما وجب إلا ما يقع عليه اسم أخذ، لأجزأ إعطاء برة واحدة أو شعيرة واحدة، أو أي شئ أعطاه المرء، ولكن النصوص والاجماع على ما ذكرنا، فرض الوقوف عندهما.
وأما العموم الثاني: وهو عموم أرباب الأموال فبين واضح، وهو من:
كل إنسان ذي مال، فوجب استعماله على عمومه، إذ عرف مقدار ما يؤخذ، ومتى يؤخذ، ومما يؤخذ، فلا مخرج من ذلك إلا ما أخرجه نص أو إجماع على ما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى.
وأما النص المفسر الذي يفهم معناه من لفظه، وكان يمكننا استعماله على عمومه ولو لم يأتنا غيره، فأتى نص آخر أو إجماع، فخص منه بعض ما يقع عليه الاسم، فإنه لا يخرج منه إلا أخرج النص والاجماع، والحجة في ذلك هي الحجج التي أثبتنا بها القول بالعموم في أول هذا الباب الذي نحن الآن في فصوله، ويلزم من قال: لا أبقي منه إلا ما جاء نص أو إجماع في بقائه أن يبيح دماء جميع الأمة إلا ما اتفق على تحريم دمه، لان قوله عليه السلام: دماؤكم وأموالكم عليكم حرام لقد اتفق على أنه ليس على عمومه، بل لخص منه كثير كالزناة المحصنين، وقتلة الأنفس وغيرهم، فيلزمهم أن يقتلوا شارب الخمر في الرابعة، هذا لو لم يأت فيه نص، ولكن على أصلهم الفاسد، وأن يقتل الساحر إن كان حنفيا أو شافعيا، وأن يقتل السيد بعبده، والمؤمن بالكافر إن كان مالكيا، وإلا فقد تناقضوا وأقروا بأن العموم الذي قد خص بعضه، فإن باقيه على العموم أيضا، إلا أن يخصه نص أو إجماع، ونحن نرى - إن شاء الله تعالى - مسألة فيها تخصيص مترادف مرآة لكيفية العمل فيما ذكرنا، وبالله تعالى التوفيق، فنقول:
قال الله عز وجل: * (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا) * فلا نص أكثر معاني ولا أعم من هذا، وفيه إباحة النساء والمآكل كلها، وكل ما في الأرض
(٣٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 370 371 372 373 374 375 376 377 378 379 380 ... » »»
الفهرست