الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣١٦
فصل في الامر هل يتكرر أبدا أو يجري منه ما يستحق به المأمور اسم فاعل لما أمر به.
قال علي: اختلف الناس في الامر، إذا ورد بفعل ما، هل يخرج من فعله مرة عن اسم المعصية، أو يتكرر عليه الامر أبدا فيلزمه التكرار له ما أمكنه، فبكلا القولين قال القائلون.
قال علي: والصواب أن المطيع غير العاصي، ومحال أن يكون الانسان مطيعا عاصيا من وجه واحد. فمن أمر بفعل ما ولم يأت نص بإيجاب تكراره، ففعله فقد استحق اسم مطيع، وارتفع عنه اسم عاص بيقين، وكل شئ بطل فلا يعود إلا بيقين من نص أو إجماع.
وإنما تكلم في هذه المسألة القائلون بقول الشافعي رحمه الله، في تكرار الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في كل صلاة، لأجل قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) *.
قال علي: ولو كان ما احتجوا به من وجوب التكرار صحيحا، لما كان موضع الجلوس الآخر من الصلاة أحق به من القيام والسجود وسائر أحوال الانسان، وهم إنما أوجبوا ذلك بعد التشهد الأخير من الصلاة فقط. وقد ورد حديث في لفظه إبعاد لمن ذكر عنده رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يصل عليه، فإن صح لقلت هو فرض متى ذكر عليه السلام، وإن لم يصح فقد صح أن من صلى عليه مرة صلى الله عليه عشرا، ولا يزهد في هذا إلا محروم، والذي يوقن فهو أنه من يرغب عن الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن السلام عليه، فهو كافر مشرك، ومن صلى عليه وسلم ثم ترك غير راغب عن ذلك، ولكن عالم بأنه مقصر باخس نفسه حظا جليلا - فلا أجر له في ذلك ولا إثم عليه.
فإن قالوا: فما تقولون في الجهاد؟ قلنا: قد صح أن الجهاد فرض علينا إلى أن لا يبقى في الدنيا إلا مؤمن أو كتابي يغرم الجزية صاغرا بأمر الله تعالى لنا أن نقاتل حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين كله لله، ويؤمن المشركون كلهم، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، ويعطي أهل الكتاب الجزية وهم صاغرون. فالقتال ثابت
(٣١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 311 312 313 314 315 316 317 318 319 320 321 ... » »»
الفهرست