الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣١١
المغنم قبل القسمة، فلو جاز أكل ذلك اللحم لما أمر عليه السلام بإكفاء القدور وهي تفور.
وقد روي من طريق أخرى أنه عليه السلام جعل يرمله بالتراب ويقول: إن النهبة ليست بأحل من الميتة أو كلاما هذا معناه، فإن اعترضوا بحديث الشاة التي روي أنه عليه السلام قال فيها: إني لأجد طعم لحم أخذ بغير إذن أهله، أو كلاما هذا معناه، قال: ثم أمر عليه السلام بإطعامه للأسارى، فهذا حديث لا يصح لأنه إنما روي من طريق رجل من الأنصار، ولم يأت من غير هذه الطريق أصلا فسقط الاحتجاج به، وهرقه عليه السلام اللحم من القدور في الأرض، مع نهيه عليه السلام عن إضاعة المال، دليل واضح على أنه لا يحل أكله وهذا نص قولنا. وبالله تعالى التوفيق.
قال علي: وأما العمل المأمور به في وقت محدود الطرفين، قد ورد النص بالفسحة في تأخيره - فإنه يجب بأول الوقت، إلا أنه قد أذن له في تأخيره، وكان مخيرا في ذلك وفي تعجيله، فأي ذلك أدى فقد أدى فرضه، إلا أنه يؤجر على التعجيل لتحصيله العمل، واتهمه به، ولا يأثم على التأخير لأنه فعل ما أبيح له، وذلك مثل تأخير المرء الصلاة إلى آخر وقتها الواسع، ولذلك أسقطنا الملامة والقضاء عن المرأة تؤخر الصلاة عن أول وقتها فتحيض فعلت ما أبيح لها، ومن فعل ما أبيح له فقد أحسن. وقال تعالى: * (ما على المحسنين من سبيل) * فسقطت الملامة. وقد أخر عليه السلام الصلاة إلى آخر وقتها، فصح بذلك أن ذلك جائز مباح حسن، وإن كان التعجيل أحسن، وسقط القضاء عنها لخروج الوقت، لأنه يؤدي عمل إلا في وقته المأمور به، كما أسقط خصومنا - موافقين لنا - القضاء عن المغمى عليه أكثر من خمس صلوات، وبعضهم أسقطها عن المغمى عليه صلاة فما فوقها.
وأما كل عمل محدود الطرف الأول غير محدود الطرف الآخر، فإن الامر به ثابت متجدد وقتا بعد وقت، وهو ملوم في تأخيره، لأنه لم يفسح له ذلك، وكلما أخره حصل عليه اسم التضييع، وإثم الترك لما أمر به. فإن أداه سقط عنه إثم الترك، وقد استقر عليه إثم ترك البدار. ولا يسقطه عنه إلا ربه تعالى بفضله
(٣١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 306 307 308 309 310 311 312 313 314 315 316 ... » »»
الفهرست