الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣١٢
إن شاء - لا إله إلا هو - كسائر ذنوبه التي لا بد من الموازنة فيها، لان الأداء والتعجيل فعلان متغايران كما قدمناه، وقد يؤدي من لا يعجل، فصح أنهما شيئان متغايران، وكذلك القول في ديون الناس، فإن المماطل الغني آثم بالمطل، وآثم بمنع الحق، فإذا أدى الحق يوما ما سقط عنه المنع، وقد استقر إثم المطل عليه فلا يسقط عنه بالأداء، لان المنع والمطل شيئان متغايران، وقد يؤدي ولا يمنع من قد مطل. ولذلك قلنا، فيمن غصب مالا فلم يؤده إلى صاحبه حتى مات المغصوب منه ثم أداه إلى ورثته: إنه باق عليه إثم الغصب من الميت، وإنما سقط عنه إثم الغصب من الوارث وهو الثاني، لأنه لا شك عند كل ذي عقل أن ظلمه لزيد الموروث غير ظلمه لعمرو الحي الوارث. وقد انتقل ملك المال إلى الوارث، وملك الوارث لذلك المال غير ملك المورث له، هذا شئ يعلم بضرورة العقل وبديهة الحس. فإن أحدث الغاصب ظلما ثانيا لهذا الحي، فهو عمل آخر، وإثم متجدد، فإن رد إليه ماله فقد سقط عنه إثم ظلمه إياه، ولا يسقط ما وجب لزيد من الحق في حياته إنصاف هذا الغاصب لعمرو بعد موت زيد، وكذلك لو مات الغاصب فصرف المال وارثه، فإنما سقط الاثم عن الوارث الصارف، لا عن الميت الغاصب، لان عمل زيد لا يلحق عمرا إلا بنص أو إجماع، قال الله عز وجل : * (ولا تكسب كل نفس الا عليها) * وقال تعالى: * (وأن ليس للانسان إلا ما سعى) * اللهم إلا أن يرد نص بأن عمل زيد يلحق عمرا بعد موته أو في حياته، فنقر بذلك سامعين طائعين، كالصيام عن الميت والحج عنه وأداء ديونه، فلو أمر الميت أن يرد ما غصب في حياته كان قد تبرأ أو سقط عنه إثم الامساك، وبقي عليه إثم المطل، لان كل ذلك أعمال متغايرة، فلو تطوع امرؤ برد دين أو غصب عن ميت وجعل الاجر للميت لكان ذلك لاحقا بالميت ومرد عنه على حديث أبي قتادة،
(٣١٢)
مفاتيح البحث: الحج (1)، الموت (5)، الغصب (3)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 307 308 309 310 311 312 313 314 315 316 317 ... » »»
الفهرست