الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣٢٣
فعله، وغير الواجب هو ما إن شاء فعله المرء وإن شاء تركه، ولا يعرف ههنا شئ يتوسط هذين الطرفين، فإن راعوا ما ورد به لفظ الفرض في الشريعة فهم أول عاص لما ورد فيها، لان الله عز وجل يقول: * (إنما الصدقات للفقراء والمساكين) * الآية إلى قوله تعالى فرضية من الله، فقالوا هم: هذه القسمة ليست فريضة، بل جائز أن يعطى من الصدقات غير هؤلاء، وجائز أن توضع في بعض هذه الأصناف دون بعض، وقال ابن عمر: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر على كل صغير أو كبير ذكرا أو أنثى، حرا أو عبدا، من المسلمين صاعا من تمر أو صاعا من شعير فقالوا: ليس هذا فرضا، ولا الشعير أيضا، ولا التمر فيها فرضا فما نعلم أحدا ترك لفظ الفرض الوارد في الشريعة منهم، ثم احتجوا في البرسام الذي ادعوه من وجوه أنه شئ واجب ليس فرضا ولا تطوعا، فقالوا: ذلك مثل الاذان والوتر وركعتي الفجر وصلاة العيدين والصلاة في جماعة ورمي الجمار للمبيت ليالي منى بمنى.
قال علي: وكل هذا فدعوى فاسدة، أما الصلاة في جماعة والاذان ورمي الجمار ففرائض واجبة يعصي من تركها، لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بها، وأما صلاة العيدين والوتر وركعتا الفجر والمبيت ليالي منى بمنى، فليست فرائض، ولكنها تطوع يكره تركها، فلو تركها، تارك دهره كله متعمدا ما أثم ولا عصى الله عز وجل، ولا قدح ذلك في عدالته، وقد قال عليه السلام في الذي حلف أن لا يزيد على الصلوات الخمس الفرائض: أفلح والله إن صدق، دخل الجنة إن صدق وقد سأل هذا القائل النبي صلى الله عليه وسلم إذ وصف له الصلوات الخمس فقال: يا رسول الله هل علي غيرها؟ فقال: لا، إلا أن تطوع فسمى النبي صلى الله عليه وسلم تارك كل صلاة ما عدا الخمس مفلحا ولم يعنفه، وأخبر عليه السلام أن كل صلاة ما عدا الخمس فهي تطوع فحرام على كل أحد خلاف النبي صلى الله عليه وسلم، ولولا أن الامر ورد بصلاة الجنائز فصارت فرضا لا بد منه، لكانت تطوعا، ولكن من هذه الخلال أشياء يكره تركها، فمن تركها لم يأثم ولم يؤجر، ومن فعلها أجر، فبطلت بما ذكرنا قسمتهم الفاسدة، والحمد لله رب العالمين.
(٣٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 318 319 320 321 322 323 324 325 326 327 328 ... » »»
الفهرست