الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣١٨
قال أبو محمد: وهذا خطأ، لان نص الآية لا يوجب التيمم إلا على من أحدث بقوله تعالى: * (وان كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا) * فلو تركنا ظاهر هذه الآية لوجب الوضوء فرضا على كل قائم إلى الصلاة، ولما وجب ذلك في التيمم. لان نص الآية بإيجاب الوضوء على قائم إلى الصلاة، وليس فيه إيجاب التيمم إلا على من أحدث فقط، ولكن لما صلى عليه السلام الصلوات الخمس يوم الفتح بوضوء واحد، علمنا أن المأمور بالوضوء هو المحدث فقط، وأما تكرار التيمم فنص الآية يبطله.
قال علي: واحتج القائلون بالتكرار بأن قالوا: وافقتمونا على أن النهي متكرر ثابت أبدا، وأنه متجدد كل وقت، فهلا قلتم إن المنهي يخرج عن النهي بترك ما نهي عنه ساعة من الدهر فقط، كما قلتم: إن يفعل مرة واحدة يخرج عن الامر، وإن الامر لا يعود عليه.
قال علي: هذه شغبة دقيقة، وقد قدمنا فيما خلا أن النهي هو أمر بالترك، وأن الترك ممكن لكل أحد، وليس يمتنع الترك على مخلوق، والفعل بخلاف ذلك منه ممكن، ومنه ما لا يقدر عليه، وقدمنا أن ترك المرء لافعال كثيرة في وقت واحد موجود واجب، وأن فعله بخلاف ذلك، وأن المرء في حال نومه وأكله وصلاته ونظره في أسبابه، تارك لكل ما نهي عن تركه إن أراد الترك، وليس الامر كذلك، بل لا يقدر على أداء أكثر الأوامر في الأحوال التي ذكرنا، وقد أمرنا عليه السلام أن نجتنب ما نهانا عنه، وأمرنا أن نفعل ما أمرنا به ما استطعنا، ولم يقل عليه السلام: فأتوه ما استطعتم، وكان حينئذ يلزم التكرار، وإنما قال عليه السلام فأتوا منه ما استطعتم ومن إنما هي للتبعيض المقدور، فلما امتنع تكرار الامر بما قدمنا قبل، من أن التكرار لوازم لكان تكليفا لما لا يطاق، وأنه لما بطل ذلك كان من اقتصر في ذلك على حد ما يجده، أو عدد من التكرار يوجبه، أو على وقت ما - متحكما بلا دليل لم يلزم منه إلا ما اتفق عليه، وهو مرة واحدة يقع عليه بها اسم فاعل مطيع، ويرتفع بها عنه اسم عاص، وكان ذلك فرقا صحيحا بين ما يقدر عليه مما ذكرنا، وبين ما يقدر عليه من الترك في كل وقت، وفي كل حال، ومن أدى من الامر ما استطاع فقد فعل ما أمر به،
(٣١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 313 314 315 316 317 318 319 320 321 322 323 ... » »»
الفهرست