الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣٠٧
- وإنما ذلك النادر - والذي فرط في قضاء رمضان أفطره السفر أو مرض، فأما العامد للفطر بغير عذر فليس عليه صيام، وإنما عليه إثم ترك الصيام، وفي هذا كفاية لمن عقل، وبالله تعالى التوفيق.
قال علي: وكل أمر علق بوصف ما، لا يتم ذلك للعمل المأمور به إلا بما علق به فلم يأت به المأمور كما أمر، فلم يفعل ما أمر به فهو باق عليه كما كان، وهو عاص بما فعل، والمعصية لا تنوب عن الطاعة، ولا يشكل ذلك في عقل ذي عقل، فمن ذلك: من صلى بثوب نجس أو مغصوب وهو يعلم ذلك، ويعلم أنه لا يجوز له ذلك الفعل، أو صلى في مكان نهي عن الإقامة فيه كمكان نجس، أو مكان مغصوب، أو في عطن الإبل، أو إلى قبر، أو من ذبح بسكين مغصوبة، أو حيوان غيره بغير إذن صاحبه، أو توضأ بماء مغصوب، أو بآنية فضة، أو بإناء ذهب، فكل هذا لا يتأدى فيفرض، فمن صلى كما ذكرنا فلم يصل، ومن توضأ كما ذكرنا فلم يتوضأ، ومن ذبح كمذكرنا فلم يذبح وهي ميتة لا يحل لاحد أكلها لا لربها ولا لغيره، وعلى ذابحها ضمان مثلها حية، لأنه فعل كل ذلك بخلاف ما أمر. وقال عليه السلام: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد.
قال علي: وقد نهاه الله تعالى عن استعمال تلك السكين، وعن ذبح حيوان غيره بغير إذن مالكه، وعن الإقامة في المكان المغصوب، وأمر بالإقامة للصلاة، وبتذكية ما يحل أكله، وبضرورة العقل، علمنا أن العمل المأمور به هو غير العمل المنهي عنه، ولا يتشكل في العقل غير ذلك، فذبحه حيوان غيره أو بسكين مغصوبة ليس هو التذكية المأمور بها، فإذا لم يذك كما أمر فلم يحل بذلك العمل المنهي عنه أكل ما لا يحل أكله إلا بالتذكية المأمور بها، ولا شك في أن إقامته في المكان المغصوب ليست الإقامة المأمور بها في الصلاة، ولو كان ذلك لكان الله عز وجل آمرا بها، ناهيا عنها إنسانا واحدا، في وقت واحد، في حال واحدة، وهذا مما قد تنزه الحكيم العليم في إخباره تعالى أنه لا يكلف نفسا إلا وسعها، وليس اجتناب الشئ والآتيان به في وقت واحد في وسع أحد، فصح ما قلنا، وبالله التوفيق.
وقد عارض في هذا بعض أهل الاغفال بمن طلق أو أعتق في مكان مغصوب، أو صبغ لحيته بحناء مغصوبة، أو تعلم القرآن في مصحف مغصوب.
(٣٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 302 303 304 305 306 307 308 309 310 311 312 ... » »»
الفهرست