الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٢٨٤
وقد فرق صلى الله عليه وسلم بين أمر الفرض، وأمر التخيير بفرق، ولا مدخل للشغب فيه بعده، وهو ما حدثناه عن عبد الله بن يوسف، عن أحمد بن فتح، عن عبد الوهاب بن عيسى، عن أحمد بن محمد، عن أحمد بن علي، عن مسلم، ثنا أبو كامل فضيل بن حسين الجحدري، ثنا أبو عوانة، عن شيبان، عن عثمان بن عبد الله بن موهب، عن جعفر بن أبي ثور، عن جابر بن سمرة، قال: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت فتوضأ، وإن شئت فلا تتوضأ قال: أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم فتوضأ من لحوم الإبل.
قال علي: فأورد عليه السلام الوضوء الذي ليس عليه واجبا بلفظ التخيير، وأورد الآخر بلفظ الامر فقط، ولو كان معناهما واحدا، لما كان عليه السلام مبينا للسائل ما سأل عنه، وهذا ما لا يظنه مسلم، والله الهادي إلى سواء السبيل، وحسبنا الله ونعم الوكيل فصل في كيفية ورود الامر قال علي: الأوامر الواجبة ترد على وجهين: أحدهما: بلفظ افعل، أو افعلوا، والثاني: بلفظ الخبر إما بجملة فعل وما يقتضيه من فاعل أو مفعول، وإما بجملة ابتداء وخبر.
فأما الذي يرد بلفظ افعل أو افعلوا، فكثير واضح مثل: * (أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) وخذ (من أموالهم صدقة) وما أشبه ذلك.
وأما الذي يرد بلفظ الخبر وبجملة فعل وما يقتضيه فكقوله تعالى: * (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن) * وكقوله تعالى: (ان الله يأمر كم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) وكقوله تعالى: (كتب عليكم الصيام) و " كتب عليكم القتال " و " حرمت عليكم أمهاتكم " و " أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم " وأمرت أن أسجد على سبعة أعظم وما أشبه ذلك وكثير من الأوامر التي ذكرنا وردت كما ترى بمفعول لم يسم فاعله، ولكن لما قال عز وجل - وقوله الحق - عن نبيه صلى الله عليه وسلم " وما لنطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى " علمنا يقينا لا مجال للريب فيه، أنه لا ينقل أمرا ولا نهيا الا عن ربه تعالى، فكان السكوت عن تسمية
(٢٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 279 280 281 282 283 284 285 286 287 288 289 ... » »»
الفهرست