الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣١٩
ومن فعل ما أمر فقد سقط عنه الامر، وبالله تعالى التوفيق.
والقائلون بالتكرار: إنما اضطروا إليه في مسألتين أو ثلاث، وهم في سائر مسائلهم تاركون له، وقد قدمنا أن القوم إنما حسبهم نص المسألة الحاضرة بما لا يبالون أن يهدموا به سائر مسائلهم، وبالله تعالى التوفيق فال علي: وصحيح القول في هذه المسألة هو ما قلنا من أن يفعل مرة واحدة يؤدي المرء ما عليه، ولا يلزمه تكرار الفعل لما ذكرنا، إلا أن ترتفع تلك الحال التي فيها ذلك الامر ثم تعود، فإن الامر يعود ولا بد، كمرض المسلم تجب عيادته، فبمرة واحدة يخرج من الفرض ما دام في تلك العلة، فإن أفاق ثم مرض عاد حكم العيادة أيضا، وفك العاني متى صار عانيا وجب فكه، كإطعام الجائع متى عاد جوعه عاد وجوب إطعامه، وكالتعوذ متى قطع الانسان القراءة ثم ابتدأ القراءة، وكالوضوء متى أحدث، وكالصلاة في كل يوم، ولا يلزم تكرار شئ من ذلك بعد فعله في حال واحدة، وبالله تعالى التوفيق.
والقول بالتكرار باطل، لأنه تكليف ما لا يطاق، أو القول بلا برهان، وكلاهما باطل، لأننا نسألهم عن تكرار الأوامر المختلفة، وبعضها يقطع عن فعل بعض فلا بد ضرورة من ترك جميعها إلا واحدا، فأيها هو الواحد، وهذا هو القول بلا برهان، وكل ما كان هكذا فهو باطل بلا شك، وبالله تعالى التوفيق.
فصل في التخيير قال علي: واختلفوا في الأشياء إذا خير الله عز وجل بينها، وأوجب على المخير أن يقصد أيها شاء فيفعله ككفارة الايمان، وكفارة الحلق في الحج قبل يوم النحر لمرض أو أذى من الرأس، وفي العمرة كذلك، قبل تمامها، وفي جزاء الصيد وما أشبه ذلك، فقال قوم: هي كلها واجبة، فإذا فعل أحدها سقط سائرها.
قال علي: وهذا خطأ فاحش لوجهين: أحدهما: أن أو لا توجب تساوي ما عطف بها واجتماعه، وإنما يوجب ذلك الواو والفاء وثم، هذا ما لا يجهله من له أدنى بصر باللغة العربية، والثاني: أنها لو وجبت كلها لما سقطت بفعل بعضها،
(٣١٩)
مفاتيح البحث: الحج (1)، الحلق (1)، الوجوب (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 314 315 316 317 318 319 320 321 322 323 324 ... » »»
الفهرست