الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣٨٥
فصل من العموم قال علي: العموم قسمان: منه مفسر، ومنه مجمل، فالمجمل هو الذي لا يفهم من ظاهره معناه، والمفسر قد ذكرناه، وأما المجمل فلا بد من طلب المراد فيه من أحد موضعين: إما من نص آخر، وإما من إجماع، فإذا وجدنا تفسير تلك الكلمة في نص آخر قلنا به وصرنا إليه، ولم نبال من خالفنا فيه ولا استوحشنا منه كثروا أو قلوا صغروا أو جلوا، ولم نتكثر بمن وافقنا فيه كائنا من كان من قديم أو حديث أو قليل أو كثير، وليس ممن كان معه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم قلة، ولا ذلة ولا وحشة إلى أحد، ولا فاقة إلى وفور عدد، فإذا لم نجد نصا آخر نفسر هذا المجمل، وجب علينا ضرورة فرض طلب المراد من ذلك المجمل في الاجماع المتيقن المنقول عن جميع علماء الأمة - الذين قال تعالى فيهم: * (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم) * - وكيفية العمل في ذلك أن نأخذ بما أجمعوا عليه من المراد بمعنى ذلك المجمل، ونترك ما اختلفوا فيه، فهذا هو حقيقة ما أمرنا به من الاخذ بالاجماع، وترك كل قول لم يقم عليه دليل. وهذا الذي نسميه استصحاب الحال، وأقل ما قيل.
فإن قال قائل: إن هذان اسمان مختلفان في المعنى، فما الفرق بينهما؟ ولم صرتم إلى أحدهما في بعض الأمكنة؟ وإلى الآخر في أمكنة أخرى، وما حد المواضع التي تأخذوا فيها باستصحاب الحال، وما حد المواضع التي تأخذون فيها بأقل ما قيل وأنتم تسمون فعلكم في كلا الموضعين اتباعا للاجماع، وإجماعا صحيحا، وأنتم لا تسمون من أنفسكم بإجمال لا تستطيعون تفسيره، وتعيبون بذلك أصحاب القياس أشد عيب قيل له، وبالله تعالى التوفيق. صدقت في صفتك وأحسنت في سؤالك، والجواب عما سألت عنه، إن الذي عملنا فيه بأن سميناه أقل ما قيل، فإنما ذلك في حكم أوجب غرامة مال أو عملا بعدد لم يأت في بيان مقدار ذلك نص، فوجب فرضا ألا نحكم على أحد لم يرد ناقض في الحكم عليه إلا بإجماع على الحكم عليه، وكان العدد الذي قد اتفقوا على وجوبه وقد صح الاجماع في الحكم به، وكان ما زاد على ذلك قولا بلا دليل، لا من نص ولا إجماع، فحرام على كل
(٣٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 380 381 382 383 384 385 386 387 388 389 390 » »»
الفهرست