الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣٨٨
عليهم، واستصحابا للحال التي قد تيقنا وجوبها علينا فيهم، وإنما حرم بعد الجزية مال الذمي استصحابا للحال التي قد تيقنا وجوبها عليهم فيها، فلذلك لم نقل أيضا في الدية المأخوذة منهم في قتل بعضهم بعضا إلا بأقل ما قيل وذلك ثلثا عشر دية المسلم إما ثمانمائة درهم، وإما ستة أبعرة وثلثا بعير، ما لم ينقضوا ذمتهم فيعودوا بنقضها إلى ما كانوا عليه قبل الذمة بالاجماع والنص وبالله التوفيق.
وأما قوله تعالى: * (ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) * فقد بين ذلك نص عن النبي صلى الله عليه وسلم جلي. وأما قوله تعالى: * (فإطعام ستين مسكينا) * فإننا صرنا في تفسير مقدار هذا الاطعام إلى نص ورد في الواطئ خاصة، وصرنا في كفارة الظهار إلى أقل ما قيل في ذلك، وهو موافق للنص الوارد في كفارة الواطئ . وأما قوله تعالى: * (خذ من أموالهم صدقة) * فإننا صرنا في ذلك إلى بيان نصوص وردت في ذلك، وتركنا ما لم يأت فيه نص من الأموال، فلم نأخذ منه شيئا، لما ذكرنا من تحريم أخذ مال مسلم بغير طيب نفسه، فحرم أن يؤخذ من مال مسلم شئ أصلا إلا بنص بين جلي أو إجماع، لان قوله تعالى: * (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) * هو مستثنى من جملة تحريم أموالهم، فلا يخرج من ذلك النص الأكثر الأعم إلا ما بينه نص أو إجماع . وأما قوله تعالى: * (فمتعوهن) * فإنما نأخذ في مقدار متعة المطلقة بما أوجبه البرهان قبل، استصحابا لما قلنا من تحريم مال المسلم جملة.
وأما قوله: * (فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا) * فإنا لا نجبر السيد على قبول أقل من قيمة المكاتب، ولا نجبر المكاتب على أكثر مما يطيق، لاجماع القائلين بإيجاب ذلك - وهم أهل الحق - على إيجاب المقدار الذي ذكرناه.
وأما قوله تعالى: * (أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما) * فإنا صرنا في ذلك إلى مقتضى ظاهر الآية على ما بيناه في كتابنا في المسائل، لان الأصل ما قد ذكرنا من تحريم مال المسلم جملة، ومن أنه لا يحل لاحد أن يفرض شريعة على أحد لا من صيام ولا من غيره إلا ما أوجبه نص، وأما قوله عليه السلام:
ما من صاحب إبل وما من صاحب غنم، وما من صاحب بقر، وما من صاحب ذهب فإنا صرنا في بيان مقدار الإبل والغنم والبقر المأخوذ منها ومقدار
(٣٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 380 381 382 383 384 385 386 387 388 389 390 » »»
الفهرست