الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣٨٧
قبولها بالنص، وليس في أكثر من ذلك حد ووقف عنده فيقول القائل: هو أكثر ما قيل، فلو لم يكن ههنا حد يوقف عنده لما وقع عقد ذمته أبدا، لأنهم كانوا يكونوا إنما بذلوا شيئا طلب منهم أكثر، وهذا لا نهاية له، وليس من حد حدا بأولى ممن حد حدا آخر، فهذا لا ينضبط أبدا، فصح أن الحد الأول هو الواجب أخذه وهو الدينار إذا بذلوه ولم يطيقوا أكثر منه، وليس في النص لاخذ أكثر من الدينار ممن أطاقه، وبالله تعالى التوفيق.
وأما زكاة البقر فقد قدمنا ذكر خبر معاذ رضي الله عنه، وأن مسروقا أدركه وحضر حكمه وشاهده، هذا ما لا شك فيه، ولم يكن أخذ زكاة البقر من عمل معاذ نادرا ولا خفيا، بل كان فاشيا ظاهرا معلنا مرددا كل عام كثيرا، فهذا غاية صحة النقل الموجب للعلم والعمل، وكذلك عمله ونقله في الجزية فصح أن زكاة البقر والجزية مسندان صحيحان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق معاذ.
وأما عدد الجزية ومقدارها فقد ذكرناه آنفا، فهو اللازم إلا أن يتفقوا معنا باختيارهم على أكثر، أو يتملكوا دون عهد فيلزموا ما يطيقون، ويحرم بذلك دماؤهم، وسبيهم. وأما الصغار عليهم، فإن النص قد ورد بإلزامه إياهم، فكل ما وقع عليه اسم صغار فنحن نأتيه فيهم، إلا ما منعنا منه نص أو إجماع فقط ، ولذلك أبحنا دماءهم إن ركبوا فرسا أو حملوا سلاحا أو تكنوا بكنى المسلمين ، أو تشبهوا بهم أو سبوا مسلما أو أهانوه أو خالفوا شيئا من الشروط التي قد جمعناها في كتا ب ذي القواعد، لأنه عموم واجب أخذه كله وحمله على كل ما اقتضاه اسمه، وهذا بخلاف ما جاء عن المسلمين، فإن المسلمين قد جاء النص فيهم بتحريم دمائهم وأموالهم وأعراضهم والاضرار بهم، وأوجب الله علينا كرامة كل مسلم بنهينا عن التحاسد والتنازع، وأن يحقر أحدنا أخاه المسلم ، وأمرنا بالتزاحم والتعاطف وهذا بخلاف ما أمرنا به في المشركين، فلا يحل من مال مسلم ولا من عرضه ولا من دمه ولا من أذاه إلا ما صح بإيجابه ، فلذلك قلنا في الدية المأخوذة من المسلمين بأقل ما قيل.
ولما صح تحريم أموال أهل الذمة بالجزية المتفق على قبولها، وجب أيضا ألا نحكم عليهم بعد تيقنا تحريم دمائهم وأموالهم، وسبيهم، إلا بأقل ما قيل
(٣٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 380 381 382 383 384 385 386 387 388 389 390 » »»
الفهرست