الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣٨٠
في أنهم حملوا قوله تعالى: * (انما المشركون نس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا) * على الكتابي كما حملوه على الوثني. وإن كان حنفيا تناقض في حمله قوله تعالى: * (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) * الآية على الكتابي كحملهم إياها على الوثني، وبرهان ذلك قبولهم إسلامهم إن أسلم، وليس في آية حرب أهل الكتاب إلا * (حتى يعطوا الجزية) * فقط. وبالله التوفيق.
ومما احتج به عيسى بن أبان في قوله: إن النص إذا خص منه شئ وجب حمل سائره على الخصوص - أن قال: إن ذلك مثل شاهدين جرحا بقصة ما، فوجب على سائر شهادتهما في كل شئ قال علي بن أحمد: وهذا القول فمع ما فيه من الاضطراب وتشبيهه بشئ لا يشبهه، إقدام عظيم على الله عز وجل وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم، ولو كان القياس حقا - وقد أعاذ الله تعالى من ذلك - لكان هذا القياس أحمق قياس في الأرض، فكيف والقياس كله باطل. ولله تعالى الحمد.
فيقال لعيسى: ليت شعري ما الذي شبه كلام الله تعالى، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم الذي ألزمنا الله تعالى توقيره والطاعة له، وحرم علينا معصيته - بكلام فاسقين قد ثبت جرحتهما، وقد أمرنا تعالى ألا نقبل خبرهما. بل لقائل هذا القول المردود مثل السوء، ولله تعالى ولرسوله المثل الاعلى، وهلا قال إذ لم يوفقه الله تعالى لقبول الحق: إن النص الذي خص بعضه بمنزلة شاهدين عدلين شهدا لأبيهما فلم يقبلا على مذهبه الفاسد، فلا يكون ذلك موجبا لرد شهادتهما في سائر ما شهدا به لغير أبيهما، فهذا قياس أصح من قياسه لو كان القياس حقا، فكيف والقياس باطل كله فاسد، إلا أن الذي علمناهم أمثل لأننا مأمورون بقبول شهادة العدلين كما نحن مأمورون بقبول النص الوارد من الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم والعمل به؟ فإذا سقط عنا قبول ما شهدا به لدليل قام على ذلك في بعض المواضع، لم يوجب ذلك سقوط سائر شهادتهما في سائر المواضع، وكذلك النص اللازم لنا قبوله إذا قام دليل على سقوط بعضه في بعض المواضع لم يكن ذلك موجبا لسقوط باقيه وسائره. فهذا أشبه مما قال، لان الجرح الذي نظر به مسقط العدالة بالجملة، وليس خصوص النص بمسقط للعمل به جملة.
(٣٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 375 376 377 378 379 380 381 382 383 384 385 ... » »»
الفهرست