الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣٦٩
والوجه الثاني نقل الاسم عن موضوعه في اللغة بالكلية، وإطلاقه على شئ آخر، كنقل الله تعالى اسم الصلاة عن الدعاء فقط، إلى حركات محدودة من قيام وركوع وسجود وجلوس وقراءة ما، وذكر ما، لا يتعدى شئ من ذلك إلى غيره. وكنقله تعالى اسم الزكاة عن التطهر من القبائح إلى إعطاء مال محدود بصفة محدودة لا يتعدى، وكنقله تعالى اسم الكفر عن التغطية إلى الجحد له عز وجل، أو لنبي من أنبيائه، أو لشئ صح عن الله تعالى، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع بلوغ كونه كذلك إلى الجاحد له، وكنقل الامر الوارد عن الوجوب إلى الندب أو الإباحة، لان هذا هو وضع اللفظ المرتب للايجاب في غير معناه، ونقل له عن موضوعه إلى الندب الذي هو غير معناه، بل له صيغة أخرى تدل على أنه التخيير، وكنقل الامر عن إلزام العمل به إلى المهلة فيه.
قال علي: فقد بان بما ذكرنا أن نقل الامر عن الوجوب والفور إلى الندب والتراخي هو باب واحد، مع نقل اللفظ عما يقتضيه ظاهره إلى معنى آخر، وهذا الباب يسمى في الكلام وفى الشعر الاستعارة والمجاز، ومنه قوله تعالى : * (ذق إنك أنت العزيز الكريم) ومثل هذا كثير.
والوجه الثالث: نقل خبر عن شئ ما إلى شئ آخر اكتفاء بفهم المخاطب كقوله تعالى: * (واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها) * وإنما أراد تعالى أهل القرية وأهل العير، فأقام الخبر عن القرية والعير مقام الخبر عن أهلها، وكقوله تعالى: * (وان كنتم مرضى أو على سفر) * فأقام ذكر السفر والمرض مقام الحديث، لان المراد فأحدثتم. وكقوله تعالى: * (ذلك كفارة أيمانكم إذا حلقتم) * فأوقع تعالى الحكم على الحلف، وإنما هو على الحنث أو إرادته لا على الحلف، ومثل هذا كثير. والوجه الرابع نقل لفظ عن كونه حقا موجبا لمعناه إلى قوله باطلا محرما، وهذا هو النسخ كنقله تعالى الامر بالصلاة إلى بيت المقدس إلى أن يحل ذلك اليوم أصلا بالعمد لغير ضرورة.
قال علي: وإنما فرقنا بين النسخ وبين نقل الامر عن الوجوب إلى الندب أو غيره، وإن كان كل ذلك نقلا، لان النسخ كان الامر المنسوخ مرادا منا العمل به
(٣٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 364 365 366 367 368 369 370 371 372 373 374 ... » »»
الفهرست