الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣٦٨
باطل بالطبيعة والشريعة واللغة، أما الشريعة فقوله تعالى: * (ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين) * وحدوده تعالى ما نص على تحريمه، أو إيجابه أو إباحته فمن حرم غير ما نص الله تعالى على تحريمه، أو أوجب غير ما نص الله تعالى على إيجابه، فقد تعدى حدود الله تعالى.
وأما الطبيعة فقد علمنا علم ضرورة أن الأسماء إنما وضعت ليعبر بها عن المعاني التي علقت عليها وسميت بها، لا عما لم يعلق عليه ولا سمي بها، هذا ما لا يثبت في عقل أحد غيره، وما عداه فسفسطة وتخليط وإفساد للعالم ولبنية الحس والعقل.
وأما اللغة فإنا نسأل كل عالم وجاهل: ما البر؟ فيقول: القمح، فإن قلنا له عن الشعير: ما هذا؟ قال شعير، فإن قلنا: هو بر، أنكر ذلك وهزأ بقائله، هذا ما لا يختلف فيه أحد من شرق الدنيا وغربها حتى إذا أتى الدين - الذي هو المحتاط فيه الواجب تحقيقه - حكموا للشعير بحكم البر، وخالفوا ما أقروا أنه الحقيقة وحكموا بما أثبتنا نحن وهم أنه باطل، وتعدوا الحدود وأوقعوا الأسماء على غير مسمياتها، وبالله تعالى التوفيق.
فصل في الوجوه التي تنقل فيها الأسماء عن مسمياتها، فيخرج بذلك الامر عن وجوبه إلى سائر وجوهه، وعن الفور إلى التراخي، وعن الظاهر إلى التأويل وعن العموم لكل ما يقتضي إلى تخصيص بعضه وذكر الدلائل التي تدل على أن الأسماء قد انتقلت عن مسمياتها إلى ما ذكرناه قال علي: هذا باب كثر فيه التخليط، وعظمت فيه الأغاليط ولو قلنا: إنه أصل لكل خطأ وقع في الشرائع لم يبعد عن الصواب فلنقل - بحمد الله وعونه - فيه قولا يرفع إن شاء الله تعالى الاشكال فنقول وبالله تعالى التوفيق:
إن الأسماء المنقولة عن معانيها تكون بأربعة أوجه: أحدها نقل الاسم عن بعض معناه الذي يقع دون بعض، وهذا هو العموم الذي استثني منه شئ ما فبقي سائر مخصوصا من كل ما يقع عليه كقوله تعالى: * (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم) * وكسائر ما ذكرنا.
(٣٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 363 364 365 366 367 368 369 370 371 372 373 ... » »»
الفهرست