الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣٧٩
صح عنه تحريم الكتابيات جملة، وتلا الآية التي ذكرنا.
قال علي: وأما جمهور أصحابنا الظاهريين، فإنهم سلكوا طريقة لهم في ترك ما ظاهره التعارض - قد بينا بطلانها - فجعلوا قوله تعالى: * (وأن تجمعوا بين الأختين) * * (وأمهات نسائكم) * * (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) *: معارضا لقوله تعالى: * (إلا ما ملكت أيمانكم) * ورجعوا إلى الأصل بالإباحة.
قال علي: وهذا خطأ شديد من كل وجه، وحتى لو كان التعارض موجودا وكان العمل صحيحا لكان ههنا باطلا، فكيف والتعارض غير موجود لقوله تعالى * (ولو كان من عند غير الله لو جدوا فيه اختلافا كثيرا) * ولقوله تعالى * (وقد فصل لكم ما حرم عليكم) * العمل المذكور عنهم فاسد بترك ما قد ثبت اليقين بوجوب الطاعة له.
قال علي: ولو كان العمل المذكور صحيحا لكان الرجوع إلى قوله تعالى: * (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم) * أولى منه إلى إباحة قد خص منها حفظ الفروج، ولكن الصواب ما بينا من استثناء الأقل معاني من الأكثر والعجب كل العجب من تحريمهم الأمة الوثنية بملك اليمين بلا خلاف منهم بقوله تعالى: * (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) * وإباحتهم لامة الكتابية بملك اليمين بلا نص فيها أصلا ولا إجماع، فخصوا قوله تعالى: * (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) * بلا دليل، وفرقوا بين الأمة الوثنية والكتابية بلا دليل.
فإن قالوا: إن قوله تعالى: * (ولا تنكحوا المشركات) * إنما قصد به الزواج أخطأوا من وجهين:
أحدهما: تخصيص العموم بلا دليل، والثاني: تناقضهم وتحريمهم الأمة الوثنية بملك اليمين، وإنما جاء نص الإباحة من الكتابيات بالزواج فقط فحرام أن يستثنى من تحريم المشركات بشئ غير الزواج وحده الذي استثني بالنص، ولا سيما وهم يبطلون القياس، إنما أباح الإماء بملك اليمين من أباحهن قياسا على الحرائر منهن في الزواج، والقياس باطل، فلم يبق إلا أن يقولوا: إن المشركات اسم لا يقع على الكتابيات، فإن قالوا هذا وكان القائل مالكيا أو شافعيا تناقض
(٣٧٩)
مفاتيح البحث: الزوج، الزواج (3)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 374 375 376 377 378 379 380 381 382 383 384 ... » »»
الفهرست