الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣٧٧
وجوبه بما شككنا في إباحته، ونحن إذا لم نخرج منه إلا ما جاء نص جلي، أو إجماع بإخراجه منه، كنا قد علمنا بما تيقنا لزومه لنا من النص المبيح للوطئ، وعلمنا أيضا بما تيقنا وجوبه من النص الذي فيه التحريم، إذ في استعمالنا ما في آية إباحة الوطئ كله رجوع إلى الأصل الأول الذي فيه إباحة كل ما في الأرض، وترك ما قد لزم إخراجه منه بيقين.
فلو فعلنا ذلك لكنا متناقضين، لأنها ثلاثة نصوص كما ترى: نص عام، ثم آخر دونهما في العموم ثم ثالث دونهم معا في العموم.
فإن قال قائل: بل نأخذ بالنص الأخص قلنا له وبالله التوفيق: إنك إن فعلت ذلك رجعت إلى قولنا، لأننا نوجد لا نصا أخص من النص الذي فيه إباحة الوطئ فيلزمك أن تغلب هذا الأخص الذي هو نص رابع، وإلا نقضت قولك، وهو قول الله تعالى: * (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) * والمشركات من الكتابيات هن بعض من تملك أيماننا، وكذلك الأختان إذ ملكناهما.
وأما أصحابنا القياسيون فتناقضوا تناقضا فاحشا ظاهر الخطأ، لأنهم عمدوا إلى قوله عز وجل: * (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) * إلى قوله تعالى: * (وان تجمعوا بين الأختين الا ما قد سلف) * وإلى قوله سبحانه وتعالى: * (وأمهات نسائكم) * وهذه كما ترى آيات محرمات لنساء موصوفات، وعمدوا إلى قوله تعالى: * (إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين) * فاستثنوا الأختين بملك اليمين، والام وابنتها بملك اليمين، والعمة وبنت أخيها بملك اليمين، والخالة وبنت الخالة بملك اليمين، من الآية التي فيها إباحة ملك اليمين. إلا أن يكون أختان معا أو أم وابنة، أو عمة وبنت أخيها، فإن أولئك لا يحل وطؤهن، ثم إن يستثنوا الإماء الكتابيات بما أباحوه من ملك اليمين، فلو أن عاكسا عكس فأباح الأختين والام والابنة بملك اليمين، وحرم الأمة الكتابية بقوله تعالى: * (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن كان يكون بينهم إلا التحكم بلا دليل؟.
فإن قالوا: قد أبيحت الكتابية، قيل لهم: أخطأتم إنما أبيحت بالزواج لقوله تعالى: * (والمحصنات من الذين أو توا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن) *
(٣٧٧)
مفاتيح البحث: الزوج، الزواج (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 372 373 374 375 376 377 378 379 380 381 382 ... » »»
الفهرست