الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣٢٠
وما لزم فرضا فإنما يسقط بأن يفعل، لا بأن يفعل غيره، وهذا شئ يعلم بالضرورة، لان ما أوجب الله تعالى عليك عمله فلم يرد منك أن تقيم مقامه غيره إلا بنص وارد في ذلك، وإلا فأنت عاص، إن لم تفعل الذي أمرت به، فلو أوجب تعالى عليه عتق رقبة لم يخرج منها بكسوة، وهذا الذي لا يعقل سواه.
وذهب قوم إلى أنه تعالى إنما أوجب في ذلك شيئا واحدا مما خير فيه تعالى لا بعينه، ولكن أيها شاء المخير، ونحن لا ننكر هذا، لان عقولنا ليست عيارا على ربنا عز وجل، ولا في العقل ما يمنع من أن يريد الله تعالى إيجاب ما شاء إلى الموجب عليه، فإذا فعل المخير المكفر أي الكفارات - التي خوطب بها - شاء فقد أدى فرضه، وهو الذي سبق في علم الله عز وجل أنه به يسقط عنه الاثم.
والتخيير ينقسم قسمين: أحدهما الذي ذكرنا، وهو أن يلزم المرء أحد وجهين، أو أحد وجوه لا بد من أن يأتي ببعضها أيها شاء، فهذا فرضه الذي يأتي به مما خير فيه.
والقسم الثاني أن يقال للمرء: إن شئت أن تفعل كذا، وإن شئت ألا تفعله أصلا، وهذا النوع لا يجوز أن يكون فرضا أصلا، ولا يكون إلا تطوعا، لان كل شئ أبيح للمرء تركه جملة أو فعله فهو تطوع بلا خلاف من أحد، وهذا لازم لمن قال إن المرء مخير في السفر بين إتمام الصلاة أو قصرها، لان من قول هذا القائل أن الركعتين الزائدتين أن من تركهما لم يأثم، فهي إذن تطوع، وإذا كانتا تطوعا فغير جائز أن يصليهما بركعتي الفرض اللتين لا بد له من أن يأتي بهما، وليس يلزمهم هذا في قولهم في الصيام إن شاء صام في رمضان في السفر، وإن شاء أفطر، لأنهم لا يسقطون عنه الصيام جملة كما يسقطون عنه الركعتين اللتين تتم بهما الصلاة أربعا، لكن يقولون: إن شاء صام رمضان فيه، وإن شاء صامه في أيام أخر، ولا بد عندهم من صيامه، فإنما هذا تخيير في أحد الوقتين لا في ترك الصيام أصلا، وهناك خيروه في الاتيان بالركعتين أو تركهما البتة، فافهم.
(٣٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 315 316 317 318 319 320 321 322 323 324 325 ... » »»
الفهرست