الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣٣١
عين وعرض يخلقهما تعالى إلى يوم القيامة، فلما صح ذلك بإجماع الأمة - المتيقن المقطوع به المبلغ إلى النبي صلى الله عليه وسلم - وبالنصوص الثابتة بما ذكرنا من بقاء الدين إلى يوم القيامة. ولزومه الإنس والجن، وعلمنا بضرورة الحس أنه لا سبيل إلى مشاهدته عليه السلام من يأتي بعده، كان أمره صلى الله عليه وسلم لواحد من النوع، وفي واحد من النوع - أمرا في النوع كله، وللنوع كله، وبين هذا أن ما كان من الشريعة خاصا لواحد، أو لقوم فقد بينه عليه السلام نصا، وأعلم أنه خصوص، كفعله في الجذعة بأبي بردة بن نيار، وأخبره عليه السلام أنها لا تجزي عن أحد بعده، وكان أمره عليه السلام للمستحاضة أمرا لكل مستحاضة، وإقامته ابن عباس وجابرا عن يمينه في الصلاة، حكما على كل مصل وحده مع إمام، ولا خلاف بين أحد في أن أمره لأصحابه رضي الله عنهم وهم حاضرون، أمر لكل من يأتي إلى يوم القيامة.
وأما إخواننا: فاضطربوا في هذا اضطرابا شديدا، فقالوا في فتياه عليه السلام للواطئ في رمضان: إن ذلك الحكم جار على كل واطئ، وأصابوا في ذلك، ثم لم يقنعوا بالصواب حتى تعدوه إلى الخطأ فقالوا: وذلك الحكم أيضا جار على كل مفطر بغير الوطئ ثم لم يقنعوا بذلك حتى قالوا: هو على النساء كما هو على الرجال، ثم أتوا إلى حكم النبي صلى الله عليه وسلم في محرم مات، فأمر عليه السلام أ لا يمس طيبا ولا يغطي وجهه ولا رأسه، وأن يكفن في ثوبه فقالوا هو خصوص لذلك الواحد، وليس هذا حكم من مات وهو محرم، أفسمع السامعون بأعجب من هذا التحكم؟ واحتجوا في ذلك بابن عمر وقد تركوا ابن عمر في أزيد من مائة قضية، وتركوا في ذلك قول من خالف ابن عمر في ذلك من أصحابه، واحتجوا بانقطاع عمل الميت تمويها وشغبا، وليس هذا للميت ولكنه عمل الاحياء المأمورين بذلك كما أمروا بغسله ومواراته ولا عمل للميت في ذلك ولا فرق.
فإن احتجوا في ذلك بقول علي رضي الله عنه: نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أقول نهاكم، فقد قال كعب بن عجرة في أمر فدية حلق الرأس نزلت في خاصة وهي لكم عامة.
(٣٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 326 327 328 329 330 331 332 333 334 335 336 ... » »»
الفهرست