الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣٣٢
وأيضا فقد بينا في آخر كتابنا أنه لا يجوز التقليد، وقد بين علي رضي الله عنه أن قوله هذا ليس على ما ظن الظان، من أن ذلك النهي لا يتعداه ذلك إذ سئل:
أعهد إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم بشئ لم يعهده إلى غيرك؟ فقال: لا، ما خصني رسول الله صلى الله عليه وسلم بشئ إلا ما في هذه الصحيفة، وكان فيها العقل وأشياء من الجراحات، ولا يقتل مؤمن بكافر، فصح أن قول علي نهاني، إنما هو تحر للفظه عليه السلام فقط، وبالله تعالى التوفيق، وهو الموفق للصواب.
فصل في أوامر ورد فيها ذكر حكمه عليه السلام ولم يأت فيها من لفظه عليه السلام السبب المحكوم فيه قال علي: وإذا ورد خبر صحيح، وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى أمرا كذا فحكم فيه بكذا، فإن الواجب أن نحكم في ذلك الامر بمثل ذلك الحكم ولا بد، لأنه كسائر أوامره التي قدمنا وجوبها، وذلك مثل ما روي أنه صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي منفردا خلف الصفوف، فأمره بالإعادة. ورأى رجلا يحتجم فقال: أفطر الحاجم والمحجوم وأتي بشارب فجلده، فاعترض قوم فقالوا: لعله عليه السلام إنما أمره بالإعادة ليس من أجل انفراده، ولكن لغير ذلك، وأن الحجام والمحجوم، كانا يغتابان الناس.
قال علي: وهذا لا يجوز لوجوه خمسة:
أحدها: أنه عليه السلام مأمور بالتبليغ، فلو أمر إنسانا بإعادة صلاة أبطلها عليه، ولم يبين عليه السلام، وجه بطلانها لكان عليه السلام غير مبلغ وقد نزهه الله تعالى عن ذلك، ولكان غير مبين ومن نسب هذا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقد كفر.
والوجه الثاني: أن يقول القائل: لعله عليه السلام قد بين ذلك ولم يصل إلينا.
قال علي: فمن قال ذلك أكذبه الله عز وجل بقوله: * (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) * وبقوله تعالى عن نبيه عليه السلام: * (وما ينطق عن الهوى ئ إن هو
(٣٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 327 328 329 330 331 332 333 334 335 336 337 ... » »»
الفهرست