الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣٤٣
اليهود والنصارى أقوالا كثيرة، ليست مما تصح.
فإن قال قائل: فإن سليمان عليه السلام قال للهدهد: * (قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين) * قلنا نعم، ولكن لم يخبرنا الله تعالى أن الهدهد صدق في كل ما ذكر، فلا حجة لهم في هذه الآية أصلا.
ثم نقول لهم، وبالله تعالى التوفيق: إذا احتججتم بهذه الآيات في حمل القرآن، وكلام النبي صلى الله عليه وسلم على الخصوص لا على العموم، فالتزموا ذلك، ولسنا نبعدكم عن هذه الآية التي احتججتم بها، فنقول لكم، قول الله تعالى: * (و جعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصار هم ولا أفئدتهم من شئ إذا كانوا يجحدون بآيات الله) * فأخبرونا على قوله تعالى، في هذه الآية، إن سمعهم وأبصارهم وأفئدتهم لم تغن عنهم شيئا أهو على عمومه؟ أم يقولون: إنها أغنت عنهم شيئا؟ فإن قلتم كذبتم ربكم، وإن لم تقولوا، تركتم مذهبكم الفاسد، ومثل هذا في القرآن كثير جدا، بل هو الذي لا يوجد غيره أصلا في شئ من القرآن والكلام إلا في مواضع يسيرة قد قام الدليل على خصوصها، ولولا قيام الدليل على خصوصها لم يحل لاحد أن يحملها إلا على العموم، وبالله تعالى التوفيق قال علي: وموهوا أيضا بما هو عليهم لا لهم، وهو تردد بني إسرائيل في أمره تعالى لهم بذبح البقرة.
قال علي: ومن كان هذا مقداره في العلم فحرام عليه الكلام فيه، لان الله تعالى ذمهم بذلك التوقف أشد الذم، أفيسوغ لمسلم أن يقوي مذهبه بأنه موافق لأمر ذمه الله عز وجل؟ ولو لم يكن في ترددهم إلا قولهم لموسى عليه السلام: * (أتتخذنا هزوا قال) * جوابا لقوله: * (إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة) ومن خاطبه نبي عن الله عز وجل بأمر ما، فجعله المخاطب هزوا فقد كفر.
قال علي: فحسبهم وحسبنا لهم اقتداؤهم باليهود الحاملين كلام ربهم تعالى على أنه هزء، واحتجوا بقوله: * (خلق كل شئ) * وهو عز وجل غير مخلوق، وبقوله تعالى: * (الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم) *. قالوا: وإنما قال ذلك لهم بعض الناس، وإنما كان الجامعون لهم بعض الناس لا كلهم.
(٣٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 338 339 340 341 342 343 344 345 346 347 348 ... » »»
الفهرست