الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣٤٠
وقد احتج عليهم بعض من تقدم من القائلين بالعموم فقال ليس إلى وجود لفظ عام يراد به الخصوص سبيل البتة إلا بدليل وارد يبين أنه منقول عن مرتبته إلى غيرها، كالدليل على تخصيص قوله تعالى: * (تدمر كل شئ بأمر ربها) * فصح بالنص وبالظاهر، وبمقتضى اللفظ أنها لم تدمر من الأشياء إلا ما أمرت بتدميره وهذا لفظ خصوص لبعض الأشياء، لا لفظ عموم لجميعها، لكنه عموم لما قصد به، قال: وكذلك كل لفظ عموم أريد به الخصوص، قال: فلما صح ذلك بطل ما احتجوا به من وجودهم لفظا ظاهره العموم المطلق ويراد به الخصوص.
قال علي: واحتجوا أيضا فقالوا: لم نجد قط خطابا إلا خاصا لا عاما، فصح أن كل خطاب فإنما قصد به من بلغه الخطاب من العاقلين البالغين خاصة دون غيرهم.
قال علي: هذا تشغيب جاهل متكلم بغير علم، ليت شعري أين كان عن قوله:
* (وهو بكل شئ عليم) *.
وأيضا فإن الذي ذكر من توجه الخطاب إلى البالغين العقلاء العالمين بالامر دون غيرهم، فإنما ذلك بنص وارد فيهم، فهو عموم لهم كلهم، ولم نعن بقولنا بالعموم كل موجود في العالم، وإنما عنينا كل من اقتضاه اللفظ الوارد، وكل ما اقتضاه الخطاب، فعلى هذا قلنا بالعموم، وإنما أردنا حمل كل لفظ أتى على ما يقتضي، ولو لم يقتض إلا اثنين من النوع، فإن ذلك عموم لهما، وإنما أنكرنا تخصيص ما اقتضاه اللفظ بلا دليل أو التوقف فيه بلا دليل، مثل قوله تعالى: * (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق فقلنا هذا عموم لكل نفس حرمهما الله من انسان ملي أو ذمي لم يأتنا ما يوجب القتل لهما ومن قتل حيوانا نهى عن قتله إما لتملك غيرنا له أو لبعض الأمر ومثل قوله تعالى ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء الا ما قد سلف فإنما أنكرنا استباحة نفس بلا دليل ونكاح ما نكح الآباء، ومن خالفنا لزمه ألا ينفذ تحريم قتل نفس إلا بدليل، وألا يحرم كثيرا منكح الآباء إلا بدليل من غير هذه الآية، مبين لكل عين في ذاتها، وهذا يخرج إلى الوسواس، وإلى إبطال التفاهم وبطلان اللغة، وبطلان الدين ومثل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: البر بالبر ربا، إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير ربا، إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر ربا، إلا هاء وهاء، والملح بالملح ربا إلا هاء وهاء، والذهب
(٣٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 335 336 337 338 339 340 341 342 343 344 345 ... » »»
الفهرست