الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣٣٩
لفظه صرنا إليه حينئذ، وهذا قول جميع أصحاب الظاهر، وبعض المالكيين، وبعض الشافعيين، وبعض الحنفيين، وبهذا نأخذ، وهو الذي لا يجوز غيره، وإنما اختلف من ذكرنا على قدر ما بحضرتهم من المسائل على ما قدمنا من أقوالهم فيما خلا، فإن وافقهم القول بالخصوص قالوا به. وإن وافقهم القول بالعموم قالوا به، فأصولهم معكوسة على فروعهم ودلائلهم مرتبة على ما توجبه مسائلهم.
وفي هذا عجب: أن يكون الدليل على القول مطلوبا بعد اعتقاد القول، وإنما فائدة الدليل، وثمرته إنتاج ما يجب اعتقاده من الأقوال، فمتى يهتدي من اعتقد قولا بلا دليل ثم جعل يطلب الأدلة بشرط موافقة قوله، وإلا فهي مطرحة عنده.
قال علي: وكل ما ذكرنا أنه يدخل على القائلين بالوقف، أو التأويل في صرف الأوامر عن الوجوب، وصرف الألفاظ عن ظواهرها، فهو أدخل على من قال بالوقف أو الخصوص ههنا، ويدخل عليهم أيضا أشياء زائدة.
قال علي: فما احتج به من ذهب إلى أن اللفظ لا يحمل على عمومه إلا بعد طلب دليل على الخصوص، أو إلا بدليل على أنه على العموم، أن قالوا: ليست الألفاظ مقتضية للعموم بصيغها لما وجدت أبدا إلا كذلك، كما لا يوجد اسم السواد على البياض، فلما وجدنا ألفاظا ظاهرها العموم والمراد بها الخصوص، علمنا أنها لا تحمل على العموم إلا بدليل.
قال علي: وقد تقدم إفسادنا لهذا الاستدلال فيما خلا من القول بالوجوب وبالظاهر، ونقول ههنا: إنه ليس وجودنا ألفاظا منقولة عن موضوعها في اللغة بموجب أن يبطل كل لفظ، ويفسد وقوع الأسماء على مسمياتها، ولو كان ذلك لكان وجودنا آيات منسوخة، لا يجوز العمل بها موجبا لترك العمل بشئ من سائر الآيات كلها، إلا بدليل يوجب العمل بها من غير لفظها، ومن قال هذا فقد كفر بإجماع، ومن لم يقله فقد تناقض، ودل على فساد مذهبه، وأما قولهم: كما لا يوضع اسم السواد على البياض، فقد يوضع أسود على غير اللون، فيقال: فلان أسود من فلان من معنى السيادة، وليس ذلك بمبطل أن يكون السواد موضوعا لعدم الألوان، وقد يقال للأسود أبو البيضاء وليس ذلك بمبطل أن يكون البياض موضوعا للون المفرق للبصر.
(٣٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 334 335 336 337 338 339 340 341 342 343 344 ... » »»
الفهرست