الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣٤٢
لعل ههنا خلافا فبطلت الديانة على قولهم، ووجب بهذا القول ألا يعمل أحد بشئ من الدين إذ لعل ههنا شيئا خصه أو شيئا نسخه، وهذا خلاف دين الاسلام، ونحن نبرأ إلى الله تعالى من كل قول أدى إلى هذا، وإن قالوا: بل على أنهما محكمان حتى يقوم دليل على أنهما منسوخان رجعوا إلى الحق، وهذا يلزمهم في القول بالوقف أو الخصوص ولا فرق.
قال علي: وشغبوا أيضا فقالوا: نحن في الخطاب الوارد كالحاكم، شهد عنده شاهدان، فلا بد له من السؤال عنهما والتوقف حتى تصح عدالتهما.
قال علي: وهذا تشبيه فاسد، لان الشاهدين لو صح عندنا قبل شهادتهما أنهما عدلان فهما على تلك العدالة، ولا يحل التوقف على شهادتهما، والفرض إنفاذ الحكم بها ساعة يشهدان، وكذلك ما أيقنا أنه خطاب الله تعالى، أو خطاب رسوله صلى الله عليه وسلم لنا، وإنما نتوقف في الشاهدين إذا لم نعلمهما، وكذلك نتوقف في الخبر إذا لم يصح عندنا أنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا نحكم بشئ من ذلك.
قال علي: ومما احتجوا به أن قالوا قال الله تعالى: * (تدمر كل شئ) * قال تعالى:
* (ما تذر من شئ أتت عليه إلا جعلته كالرميم) * وقال تعالى: * (أوتيت من كل شئ) * وقد علمنا أن الريح تدمر كل شئ في العالم، وأن بلقيس لم تؤت كل شئ، لان سليمان عليه السلام أوتي ما لم تؤت هي.
قال علي: وهذا كله لا حجة لهم فيه أما قوله تعالى: * (تدمر كل شئ) * فإنا قد قلنا إن الله تعالى لم يقل ذلك وأمسك، بل قال تعالى: * (تدمر كل شئ بأمر ربها) * فصح بالنص عموم هذا اللفظ، لأنه تعالى إنما قال: إنها دمرت كل شئ على العموم من الأشياء التي أمرها الله تعالى بتدميرها فسقط احتجاجهم بهذه الآية، وأما قوله: * (ما تذر من شئ أتت عليه إلا جعلته كالرميم) * فهذه الآية مبطلة لقولهم، لأنه إنما أخبر أنها دمرت كل شئ أتت عليه لا كل شئ لم تأت عليه فبطل تمويههم.
وأما قوله تعالى: * (وأوتيت من كل شئ) * فإنما حكى تعالى هذا القول عن الهدهد، ونحن لا نحتج بقول الهدهد، وإنما نحتج بما قاله الله تعالى مخبرا به لنا عن علمه، أو ما حققه الله تعالى من خبر من نقل إلينا خبره، وقد نقل تعالى إلينا عن
(٣٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 337 338 339 340 341 342 343 344 345 346 347 ... » »»
الفهرست