الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣٤٥
الصلاة وآتوا الزكاة، في غير ما موضع، ومن أمره تعالى بالايمان واجتناب الكفر في غير ما سورة، ومن ذكر النار والجنة في غير ما سورة فما كان ذلك مسقطا لوجوب ما وجب من ذلك كله إذ كرره، ولكان ذلك واجبا بذكره مرة واحدة، كوجوبه إذا ذكر ألف ألف مرة ولا فرق، ولكان الشك في خبر ذكر مرة واحدة، أو تكذيبه يوجب الكفر، كوجوب الكفر بالشك فيما كرره ألف مرة، وكوجوب الكفر بتكذيبه ولا فرق، وقد ذكر تعالى قصة موسى عليه السلام في مواضع كثيرة من القرآن، ولم يذكر قصة يوسف عليه السلام إلا مرة واحدة، ولا فرق عند أحد من الأمة بين صحة قصة يوسف، وبين صحة قصة موسى عليهما السلام، ومن شك في ذلك فهو كافر مشرك حلال الدم والمال، فالتأكيد كالتكرار ولا فرق، ولو لم يؤكد تعالى ما أكد لكان واجبا وعاما، لا يقتضيه اسمه، كوجوبه مع التأكيد، ولا فرق، وإنما معنى التأكيد كمعنى قول القائل: أنا شهدت فلانا، ونظرت إليه بعيني هاتين، وهو يفعل أمر كذا، وقد علمنا أن النظر لا يكون إلا بالعينين، وكذلك يقول سمعت بأذني والسمع لا يكون إلا بالإذنين، ولو سكت عن ذلك لعلمنا من خبره كالذي علمنا إذا ذكر العينين والأذنين ولا فرق.
وأيضا فإن الاستثناء جائز بعد التأكيد، كجوازه قبل التأكيد فنقول:
رأيت الوجوه إلا فلانا، فلو كان التأكيد مخرجا للكلام عن الخصوص إلى العموم لما جاز فيه الاستثناء، فصح أنه بمنزلة التكرار ولا فرق.
قال علي: ثم نعكس عليهم سؤالهم الفاسد، فنقول لهم: لو جاز أن تكون صيغة العموم للخصوص لما جاز أن يدخل عليها للتأكيد فينقلها إلى العموم، وهذا لهم لازم، لأنهم صححوا هذا السؤال، فكل من صحح القضية فهي لازمة له، وليست لازمة لمن يصححها ولا ابتدأ السؤال.
قال علي: ولو صح قولهم لوجب أن يكون كل شئ انتقل عن حاله باطلا، وأن يكون ذلك الانتقال دليلا على أن المنتقل لم يكن حقا، لأنه يلزمهم أن الشئ لو كان حقا لما صار باطلا، ولما قام دليل على بطلانه، ونحن نجد الحياة للانسان باتصال النفس في الجسد، ثم تذهب تلك الحياة وتبطل بيقين، فيلزمهم إذ قالوا:
(٣٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 340 341 342 343 344 345 346 347 348 349 350 ... » »»
الفهرست