الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣٣٥
بحديث المغيرة أصلا، وكل ما تعلقوا به بهذا الباب فهو حجة عليهم فصح بما ذكرنا أن حديث المغيرة وحديث من ذكرنا متغايران، وبالله تعالى التوفيق.
فينبغي مراعاة هذا في النصوص. ومثل ذلك من القرآن قول الله عز وجل: * (براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر) * ثم قال تعالى في تلك السورة نفسها بعد يسير: * (وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله برئ من المشركين ورسوله فإن تبتم فهو خير لكم وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله وبشر الذين كفروا بعذاب أليم، إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين، فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) * . قال علي: فوجدناه تعالى قد جعل مدة من عاهدوا من المشركين أربعة أشهر، ثم وجدناه تعالى قد جعل مدة المشركين من يوم الحج الأكبر - وهو يوم النحر بنص تسمية رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك انسلاخ الأشهر الحرم.
فليس بين الأمدين إلا خمسون يوما، فعلمنا يقينا أن هؤلاء المشركين الذين جعل أمدهم شهرين غير عشرة أيام، هم غير المشركين الذين عوهدوا أربعة أشهر، وهذا ينبغي أن يتفقد جدا، فإنه برفع الاشكال كثير، وبالله تعالى التوفيق.
فصل في عطف الأوامر بعضها على بعض قال علي: وقد يعطف أوامر مفروضات على غير مفروضات، ويعطف غير مفروضات على مفروضات، والأصل في ذلك: أن كل أمر فهو فرض إلا ما خرج عن ذلك بضرورة حس أو بنص أو إجماع، فإذا كانت أوامر معطوفات فخرج بعضها بأحد الدلائل التي ذكرنا عن الوجوب، بقي سائرها على حكم المفهوم من الأوامر في الجملة، ولا نبالي كان الخارج عن معهود حكمه هو الأول في الذكر، أو الآخر أو الأوسط. كل ذلك سواء، وهو بمنزلة ما لو خرج بنسخ، فإن سائرها يبقى على حكم الوجوب والطاعة، فمن ذلك قوله تعالى: * (كلوا من ثمرة إذا ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده) فلولا الإجماع على أن
(٣٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 330 331 332 333 334 335 336 337 338 339 340 ... » »»
الفهرست