الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣٢٩
قال علي: وإن العجب ليكثر ممن قال بخلاف قولنا - من الحنفيين والمالكيين - ثم هم يأتون إلى خطاب النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الواطئ في رمضان بالكفارة، فقالوا:
الواجب على المرأة من مثل ذلك ما على الرجل، فأي مجاهرة أشنع من مجاهرة من يأتي إلى خطاب عام لجميع أهل الاسلام فيريد إخراج النساء منه، ثم يأتي إلى خطاب لرجل منصوص عليه لم يذكر معه غيره، فيريدون إلزامه النساء بلا دليل ثم تناقضوا في ذلك، فألزموا الموطوءة الواطئ ولا نص في الموطوءة، ولم يلزموا المظاهرة ما ألزموا المظاهر، والعلة على قولهم واحدة وهي قوله:
* (منكرا من القول وزورا) * والمظاهرات قد قالت ذلك، وقد أوجب عليها - مثل ما يجب على المظاهر - قوم كثير من العلماء، وهكذا أحكام من تعدى حدود الله عز وجل، واتبع الرأي والقياس، وبالله تعالى التوفيق.
فصل في الخطاب الوارد هل يخص به الأحرار دون العبيد أم يدخل فيه العبيد معهم؟
قال علي: ذهب قوم إلى أن قوله تعالى: * (وأشهدوا ذوي عدل منكم) * أنه للأحرار دون العبيد، واحتجوا بقوله تعالى: * (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم *.
قال علي: ما ندري أيهما أشد إقداما على الله وجرأة، أتخصيصهم الأحرار في الآية الأولى دون العبيد؟ أم استشهادهم بالآية الثانية في ذلك؟ فأول إبطال قولهم إن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى العبيد والأحرار بعثا مستويا بإجماع جميع الأمة، ففرض استواء العبيد مع الأحرار - إلا ما فرق فيه النص بينهم - كوجوب استواء العرب والعجم من قريش، إلا ما فرق فيه النص بينهم، من كون الخلافة لقريش دون العرب ومن تحريم الصدقة على بني هاشم وبني المطلب دون سائر قريش والعرب، وكوجوب خمس الخمس لهم دون سائر قريش والعرب، وإنما خاطبنا الله تعالى في آية الانكاح، لأنه عز وجل لم يجعل للعبد أن ينكح نفسه وجعله للحر، وهذا مكان نص فيه على الفرق، ثم نعارضهم بقول الله تعالى
(٣٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 324 325 326 327 328 329 330 331 332 333 334 ... » »»
الفهرست