الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣٥١
وأيضا فإن هذا من سؤالات اليهود إذ قالوا: قد وافقتمونا على نبوة موسى عليه السلام، وخالفناكم في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا سؤال فاسد، لان الدلائل التي أوجبت تصديق موسى عليه السلام، هي التي أوجبت تصديق محمد صلى الله عليه وسلم، فإن لم يجب بها تصديق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم لم يجب بها تصديق نبوة موسى عليه السلام، وكذلك الدلائل التي دلت على حمل لفظ الخصوص على الخصوص التي دلت على حمل العموم على العمل، والدلائل التي دلت على حمله اللفظ على ذلك البعض وافقتمونا عليه: هي التي دلت حمله على سائره الذي خالفتمونا فيه، ولا فرق. وأيضا، فإنهم مناقضون لهذا القول، لأنه كان يلزمهم على ذلك ألا يقتلوا مشركا إلا مشركا اتفقوا على قتله، وهم لا يفعلون، لان قائل هذا إن كان مالكيا فقد ناقض، لأنه لم يقتل المرأة المرتدة، ولم يتفق على قتلها، ويقتل ولد المرتد الحادث له الردة إذا بلغ ولم يسلم، وابن ابنه كذلك، ولم يتفق على قتلهم، ويقتل المشرك إذا سب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتفق على قتله، وإن كان شافعيا، فكذلك أيضا. ويقتل - زائدا على من ذكرنا - من خرج من اليهودية إلى النصرانية، ومن خرج من النصرانية إلى اليهودية إلا أن يسلم، وإن كان حنفيا، فهم يقتلون المسلم المختلف في قتله، إذا قتل كافرا، بعموم قوله تعالى: * (النفس بالنفس) * وأن من تورع عن قتل كافر قد أباح الله تعالى قتله، وجاء النص بقتله، وأقدم على قتل مسلم قد حرم الله دمه عموما وخصوصا بعموم آية لم نخاطب بها، ولا ألزمنا الحكم بما فيها، لعظيم الجرم قليل الورع مقدم على أكبر الكبائر، وبالله تعالى التوفيق.
وكذلك إن قال: لا أقطع إلا سارقا اتفق على قطعه، فهم أيضا ينكرون ذلك لأنهم نعني المالكيين - يقطعون في أقل من عشرة دراهم، وليس متفقا عليه، ويقطعون في الزرنيخ والنورة والفاكهة واللحم، وليس القطع في ذلك إجماعا، والحنفيون يقطعون من سرق شيئا مغصوبا من مال الغاصب، وليس قطعهم إجماعا، ويلزمهم بهذا القول إلا يقولوا إلا بما أجمع عليه.
قال علي: وهم لا يفعلون ذلك البتة، فقد أفسدوا دليلهم وبالله تعالى التوفيق،
(٣٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 346 347 348 349 350 351 352 353 354 355 356 ... » »»
الفهرست