الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣٢١
فصل في الامر بعد الحظر ومراتب الشريعة قال علي: قد بينا في غير موضع: أن مراتب الشريعة خمسة: حرام وفرض، وهذان طرفان، ثم يلي الحرام المكروه، ويلي الفرض الندب، وبين الندب والكراهة واسطة وهي الإباحة، فالحرام ما لا يحل فعله ويكون تاركه مأجورا مطيعا، وفاعله آثما عاصيا، والفرض ما لا يحل تركه ويكون فاعله مأجورا مطيعا، ويكون تاركه آثما، والمكروه هو ما إن فعله المرء لم يأثم ولم يؤجر، وإن تركه أجر، والندب هو ما إن فعله المرء أجر، وإن تركه لم يأثم ولم يؤجر، والإباحة هي ما إن فعله المرء لم يأثم ولم يؤجر، وإن تركه لم يأثم ولم يؤجر، كصبغ المرء ثوبه أخضر أو أصفر، فإذا نسخ الحظر نظرنا، فإن جاء نسخه بلفظ الامر فهو فرض واجب فعله بعد أن كان حراما، وإن كان أتى فعل لشئ تقدم فيه النهي فهو منتقل إلى الإباحة فقط، والنهي باق على الاختيار، وكذلك الامر إذا أتى بعده فعل بخلافه فهو منتقل إلى الإباحة، والامر باق على الندب، كما قلنا في أمره عليه السلام الناس إذا صلى إمامهم جالسا أن يصلوا وراءه جلوسا، ثم صلى عليه السلام في مرضه الذي توفي فيه جالسا، والناس وراءه وأبو بكر إلى جنبه قائم، فعلمنا أن نهيه عليه السلام عن القيام للمذكر خاصة ندب واختيار، إلا أن يفعل ذلك تعظيما للامام فهو حرام، وعلمنا أن الوقوف له مباح، وإنما هذا فيما تيقنا فيه للمتقدم والمتأخر، وأما ما لم يعلم أي الخبرين كان قبل، فالعمل بذلك الاخذ بالزائد، والاستثناء على ما قدمناه، وبالله تعالى التوفيق.
قال علي: وقد ادعى بعض من سلف أنه تقرأ الأوامر كلها الواردة بعد لحظر، فوجدها كلها اختيارا أو إباحة، وذكر من ذلك قوله تعالى: * (وإذا حللتم فاصطادوا (فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمر كم الله) ونهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، وعن الانتباذ في الظروف فانتبذوا * (فالآن باشروهن
(٣٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 316 317 318 319 320 321 322 323 324 325 326 ... » »»
الفهرست