الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣٢٢
قال علي: وقد أغفل هذا القائل: قد قال الله تعالى: * (فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا أو اشربوا) * فكان الفطر بالاكل والشرب فرضا لا بد منه، بين ذلك النهي عن الوصال وكذلك قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم) الآية إلى قوله تعالى: (فإذا طعمتم فانتشروا) فالانتشار المذكور في هذه الآية هو الخروج عن بيوت النبي صلى الله عليه وسلم، وهو فرض لا يحل لهم القعود فيها بعد أن يطعموا ما دعوا إلى طعامه، وأما الأوامر التي ذكرنا قبل، فإن دلائل النصوص قد صحت على أنها ندب، ونحن لا نأبى الاقرار بما أتى به نص بل نبادر إلى قبوله، وإنما ننكر الحكم بالآراء الفاسدة والأهواء الزائغة بغير برهان من الله عز وجل.
أما قوله تعالى: * (وإذا حللتم فاصطادوا) فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم حل من عمرته ومن حجه ولم يصطد، فعلمنا أنه ندب وإباحة، وأما قوله تعالى : * (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض) فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الملائكة لا تزال تصلي على المرء ما دام في مصلاه الذي صلى فيه ما لم يحدث، ولم يخص صلاة من صلاة، فصح أن الانتشار مباح إلا للحدث والنظر في مصالح نفسه وأهله فهو فرض.
وأما قوله عليه السلام في القبور، فزوروها، فإن الفرض لا يكون إلا محدودا، إما موكولا إلى المرء ما فعل منه، أو محمولا على الطاقة والمعروف، وليس في زيارة القبور نص بشئ من هذه الوجوه، ثم لو كان فرضا لكان زائرها مرة واحدة قد أدى فرضه في ذلك، لما قدمنا في إبطال التكرار.
وأما قوله عليه السلام: فانتبذوا فإنه عليه السلام لم ينتبذ، لكن كان ينتبذ له، فصح أن الانتباذ ليس فرضا، لكنه إباحة، وأما قوله تعالى: * (فالآن باشروهن) * والمباشرة من الرجل لزوجته فرض ولا بد، ولا يحل له هجرها في المضجع، ولا الامتناع من وطئها إلا بتجافيها له عن ذلك، على ما بينا في كتاب النكاح من كلامنا في الاحكام، والحمد لله رب العالمين.
قال علي: وقد ذهب بعض المالكيين إلى أن ههنا واجبا ليس فرضا ولا تطوعا.
قال علي: وهذا هذيان فاسد لا يعقل أصلا، لان الواجب هو الذي لا بد من
(٣٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 317 318 319 320 321 322 323 324 325 326 327 ... » »»
الفهرست