الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣٧٨
فإنما أباح المحصنات الكتابيات بشرط إيتائهن الأجور، وإيتاؤهن الأجور لا يكون إلا في الزواج لا في ملك اليمين، وهذا مالا شك فيه عند أحد، فبطل أن يكون المراد بالإباحة المذكورة الإماء الكتابيات، فبقين على أصل التحريم.
ولو أننا رضينا لأنفسنا من الحجة بنحو ما يرضون به لأنفسهم لقلنا لهم:
إن قوله تعالى: * (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) * إنما قصد به الإماء لقوله تعالى في أثر ذلك: * (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) * ولكنا في ذلك نبين بأقوى مما يحتاجون به في أكثر مسائلهم: مثل احتجاجهم في إيجاب الخطبة بقوله تعالى: * (وتركوك قائما) * ومثل احتجاجهم في عتق الأخ بقوله تعالى: * (لا أملك إلا نفسي وأخي) * ومثل احتجاجهم في المنع من النفخ في الصلاة بقوله تعالى:
* (ولا تقل لهما أف) * ومثل احتجاجهم في القسامة ببقرة بني إسرائيل.
ومثل هذا من التمويه البارد الفاسد الداخل في حدود هذيان المبرسمين، ولكن الله عز وجل قد أغنانا بالنصوص الظاهرة التي لا مجال للتأويل فيها، وبنصره تعالى لنا عن تكلف بنيات الطرق، وادعاء ما لا يصح، ومن أمكنته السيوف لم يفتقر إلى المحاربة بحطام التبن، ولا سيما من قال منهم: إن النص إذا خص بعضه لم يؤخذ من باقيه إلاما أجمع عليه، فإنه يقال له في هذا المكان: إباحة ملك اليمين قد خرج منه بالنص بالاجماع أشياء كثيرة فمنها الذكور والبهائم، والام من الرضاع والأخت من الرضاع، وكل حريمة بصهر ورضاع، وكل حائض، وكل صائمة فرض، وأخرجت أنت منه الأختين والام والابنة والعمة والخالة، فيلزمك ألا تبيح مما بقي إلا ما اتفق عليه، ولم يتفق على إباحة الأمة الكتابية بملك اليمين، ولا جاء بها نص. فواجب عليك القول بتحريمها.
ويقول لسائرهم: أنتم أهل القياس فقيسوا ما اختلفنا فيه من وطئ الأمة الكتابية بملك اليمين على ما اتفقنا عليه من تحريم الأختين بملك اليمين، وسائر ما ذكرنا، ويقال للمالكيين منهم: أنتم تدخلون التحريم بأدق سبب ولا تدخلون التحليل إلا بأبين وجه، فحرموا الوطئ للأمة الكتابية، إذ لا سبب معكم في تحليلها لا دقيق ولا جليل، ولكم في تحريمها أبين سبب فإن ادعوا إجماعا أكذبهم ابن عمر، فقد
(٣٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 373 374 375 376 377 378 379 380 381 382 383 ... » »»
الفهرست