الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣٨٩
الحق المأخوذ منها - إلى نصوص واردة في ذلك مبينة بيانا جليا، ولذلك أوجبنا حلبها يوما وردها فرضا . وأما الذهب فإنه لا نص في مقدار ما يؤخذ منه الحق منها، ولا في مقدار الحق المأخوذ منها، فصرنا في ذلك إلى الاجماع ضرورة، وقد قدمنا أنه لا يحل من مال مسلم إلا ما أوجبه نص أو إجماع، فلم نوجب في الذهب إلا أقل ما قيل، فلم نأخذ أقل من أربعين دينارا من ذهب ولا من الزيادة حتى يبلغ أربعين دينارا أبدا بخلاف الفضة، لان الفضة ورد فيها نص، فوجب حمله على عمومه بخلاف الذهب الذي لم يرد في مقدار ما يؤخذ منه نص يصح البتة ، وبالله تعالى التوفيق.
وأما حلي الذهب فإنه قد أجمعت الأمة على وجوب الزكاة في الذهب قبل أن يصاغ حليا - إذا بلغ المقدار الذي ذكرنا - ثم اختلفوا في سقوطها إذا صيغ فاستصحبنا الحال الذي أجمعنا عليها، ولم نسقط الاختلاف ما قد وجب باليقين والاجماع.
وأما النفقات الواجبات فقد أوجبها تعالى بالمعروف، وأمرنا بالاحسان في ذلك، وهذا يقتضي الشبع والسكن والكفاية وستر العورة بما لا يكون شهرة ولا مثلة، فقد رأينا في هذا كله وجه العمل الذي من حفظه ووقف عليه كفي تعبا عظيما، ولاح له الحق دون تخطيط ولا إشكال، بحول الله وقوته . قال علي: وأما إذا ورد لفظ لغوي فواجب أن يحمل على عمومه وعلى كل ما يقع في اللغة تحته، وواجب ألا ندخل فيه ما لا يفيده لفظه، مثل قوله تعالى * (إن علمتم فيهم خيرا) *، فالخير في اللغة يقع على الصلاح في الدين وعلى المال، فلا يجوز أن نخص بهذا النص بعض ما يقع عليه دون بعض إلا بنص، فلما قال تعالى: * (فيهم) *، ولم يقل معهم، ولا قال تعالى عندهم، أنه إنما أراد الدين فقط، فلذلك قلنا: إنه لا يجوز مكاتبة كافر لأنه لا خير فيه البتة، وأما المسلم فقوله: لا إله إلا الله محمد رسول الله خير كثير ففيه خير على كل حال، ولم يقل تعالى خير، وبعض الخير خير، وبالله تعالى التوفيق.
ومن ذلك قوله عليه السلام: ليس فيما دون خمسة أوسق من حب أو تمر
(٣٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 380 381 382 383 384 385 386 387 388 389 390 » »»
الفهرست