الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣٦٤
أو مشرك) * إن الآية على عمومها، ولا يحل لمسلم زان أو عفيف أن ينكح زانية مسلمة لا بوطئ ولا بعقد زواج، فإن وقع فسخ أبدا ما لم تتب قبل أن يعقد معها النكاح، ولا يحل لمسلمة زانية أو عفيفة أن تنكح زانيا ما لم يتب، فإن وقع الزواج فسخ أبدا، وأبحنا للزاني خاصة نكاح الذمية العفيفة فقط، لان النص لم يأت إلا بتحريم ذلك على المؤمنين خاصة، والزناة والزواني مؤمنون، فقد حرم ذلك عليهم بالنص، ولم يأت في ذلك تحريم على المشركين، وهذه كرامة المسلم والمسلمة، لا يدخل فيها المشركون لان حكمهم الصغار.
وقد تناقض في هذا أصحابنا فحملوا النكاح ههنا على الوطئ خاصة، وحملوه في قوله تعالى: * (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء) * على العموم لكل ما يقع عليه اسم نكاح، وهذا كما ترى بلا دليل، وأما من ادعى أن قوله: * (الزانية لا ينكحها) * الآية منسوخة بقوله تعالى: * (وأنكحوا الأيامى منكم) * فمغفل لوجهين:
أحدهما إجماع الأمة على أنه لا يحل لاحد أن يقول في آية أو حديث:
إنهما منسوخان لا يجوز العمل بهما إلا بنص جلي أو إجماع.
والثاني: أن قوله تعالى: * (و أنكحوا الأيامى منكم) * (ليس فيه ما يرد قوله تعالى: * (والزانية لا ينكحها الا زان أو مشرك) * كما ليس فيها إباحة نكاح الأخت والبنت المحرمتين وإن كانتا من الأيامى ولكن إحدى الآيتين مضمومة إلى الأخرى فننكح الأيامى منا ما لم يكن زواني مع أنه يبعد عندنا في اللغة وقوع اسم أيم على الزانية، فالواجب استعمال الآيتين معا، لان استثناء بعضها من بعض ممكن، وقد قدمنا أنه لا يحل ترك آية لأخرى أصلا قال علي: وكذلك قلنا نحن وسائر أصحابنا: إن قوله تعالى: * (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) * فأوجبنا كلنا معشر القائلين بالظاهر إلا قوما توقفوا دون قطع - وقلنا بإيجاب حد القذف كاملا على كل قاذف محصنة بأي معنى وقع عليها اسم محصنة من عفاف أو إسلام أو زواج، فأوجبنا الحد على قاذف الأمة والكافرة والصغيرة، وكذلك أوجبنا الزكاة في القمح والشعير والتمر دون سائر الحبوب والثمار لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس فيما دون خمسة أوسق من حب أو تمر صدقة ولفظة دون في اللغة التي بها خوطبنا تقع على معنيين وقوعا مستويا حقيقيا مجازيا، وهما: بمعنى أقل، وبمعنى غير كما قال تعالى: * (واتخذوا من دون الله) * يريد غير الله تعالى، وقوله تعالى: * (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم) * فذكر تعالى المجاهرين
(٣٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 359 360 361 362 363 364 365 366 367 368 369 ... » »»
الفهرست