الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣٦٠
أمتن الله تعالى به على أبينا آدم عليه السلام فائدة؟ أم لا فائدة له؟ فإن قالوا: لا فائدة له كفروا، وكذبتم الملائكة في إقرارهم بأن ذلك علم عظيم لم يكن عندهم حتى علمهم إياه الخالق عز وجل، وإن قالوا: إن لذلك التعليم فائدة سئلوا ما هي؟ ولا سبيل إلى أن تكون تلك الفائدة إلا إيقاع الأسماء على مسمياتها، والفصل بين المسميات بالأسماء، ومعرفة صفات المسميات التي باختلافها وجب تخالف الأسماء، ليقع بذلك التفاهم بين النوع الذي أسكنه الله أرضه، وأرسل إليهم الأنبياء بالشرائع، ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة.
وإذ قد ثبت هذا وصح فكل من أراد أن يثبت أن الأسماء لا تفهم منها مسمياتها على عموم ما يقتضيه اللفظ، ولا يعرف بها ما علقت عليه فهو مبطل للعقل والشريعة معا، وبالله تعالى التوفيق، وله الحمد على جميع نعمه لا إله إلا هو.
ويلزمهم في قوله تعالى: * (حرمت عليكم أمهاتكم) * أن يكون لعل ذلك في بعض الأمهات دون بعض، وفي بعض الأخوات والبنات دون بعض، أو لعل الذي حرم هو بيعه أو أكلهن دون جماعهن كما حملتم قوله تعالى: * (فاقتلوا المشكين حيث وجدتموهم) * على بعض المشركين دون بعض، فلم تبيحوا قتل الرهبان، ولا قتل المرتدات، ولا أولاد المرتدين إذا بلغوا كفارا، وكما فعلتم في القذف فلم تحدوا قاذف الكافرة والأمة المسلمة، وسائر ما حملتموه على الخصوص، ومثل هذا لازم لهم في كل خطاب في القرآن والسنن، وبالله تعالى التوفيق.
ويقال لمن قال منهم: إن الذي يدل على حمل الألفاظ على عمومه إنما هو للتأكيد الوارد.
قال علي: يقال لهم: لو كان التأكيد ما ذكرتم لكان كلامهم متناقضا، لأنا نجد التأكيد يأتي مرتين وثلاثا، الأول، يأتي لاخراج اللفظ من الخصوص إلى العموم، الثاني: مثله أيضا، ولو وجب أن يكون مخرجا للكلام المؤكد والتأكيد الأول - عن الخصوص إلى العموم، فكان يكون التأكيد الأول خصوصا وعموما معا، وهذا ولا يعلل الصحيح في ذلك ما قدمناه من أن التأكيد إنما هو حسم لشغب أمثالهم فقط، وليس التأكيد مخرجا للكلام المؤكد عن خصوص إلى عموم أصلا، وقد قال الله تعالى: * (فسجد الملائكة كلهم أجمعون) * وقد أجاب بعض القائلين بالوقف عن هذه المسألة فقال: معنى قوله تعالى: * (أجمعون) * ي بعد ذكر: * (كلهم) * هو غير المعنى في * (كلهم) * ى لان * (كلهم) * هو مخرج لقوله تعالى: * (الملائكة) * وعن الخصوص إلى العموم و: * (وأجمعون) * دال على أنهم سجدوا مجتمعين لا مفترقين.
قال علي: وهذا جهل شديد، وكذب مفرط، لان جميعا ليس معناه الاجتماع، ولا هو
(٣٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 355 356 357 358 359 360 361 362 363 364 365 ... » »»
الفهرست